[الحب والبغض في الله]
من صفات أولياء الله وهي الصفة الثالثة: حبهم وبغضهم في الله، يحبون الأشخاص لقربهم من الله ويبغضون الأشخاص لبعدهم عن الله، قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:٥٥]
يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود بسند صحيح: {من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان}
إذاً فلا يحبون أحداً لنسب إضافية، أو لمواصفات أو ملابسات أو لأنه وافقهم في مشرب، أو اتجه معهم في اتجاه، أو ذهب معهم تحت مظلة، فإنهم إذا أحبوا هذا الشخص لهذه المواصفات فقد أخطئوا خطأً بيناً، ولا نعفيهم من أنهم صرفوا شيئاً من العبادة لغير الله.
إذاً أهل السنة يحبون الأولياء، ولا بأس أن نقف مع الوليين العظيمين: الشافعي وأحمد اللذين هما من أولياء الله الكبار، ولذلك رفعهم الله، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:٢٤] وانظر كم تردد ذكرهما في المحافل والندوات والمحاضرات والمنابر.
زار الشافعي أحمد في ليلة من الليالي -كما في السير- فقدم الإمام أحمد عشاءً للشافعي من عشائه، لا طازجاً ولا مثلجاً، خبزة من شعير وزيت، ذلك هو عشاء إمام أهل السنة والجماعة p=١٠٠٠٠٢٣>> أحمد بن حنبل الذي يحفظ ألف ألف حديث فأكل الشافعي ماشاء الله وزاد عن عادته، فلما أراد أن ينام وضع له الإمام أحمد مطهرة يتوضأ فيها ليصلي الليل، فنام الشافعي فما قام حتى الفجر، فأتى الإمام أحمد فأيقظه، فلما صليا الفجر قال الإمام أحمد: عجبت منك بخصلتين.
قال: ما هما؟ قال: قدمت لك عشاء فأكثرت الأكل على غير عادة أهل العلم، وقدمت لك طهوراً تتوضأ به فما توضأت وقمت تصلي، فكأنك ما صليت الليل.
قال: أما عشاؤك فلي ثلاثة أيام ما أكلت طعاماً، فأردت أن آكل من طعامك، وعلمت أنه من حلال فأكثرت منه، وأما أنني ما قمت الليل فوالله ما نمت من صلاة العشاء إلى الفجر أتفكر في آيات الله!
هذا الإمام الشافعي الذي كان يدعو له الإمام أحمد انظر الصفاء!
أما الآن فأكثر التشريح والتجريح والخناجر المسمومة في المجالس بين بعض طلبة العلم!
الإمام أحمد في السحر قبل صلاة الفجر يقول: اللهم اغفر للشافعي، اللهم ارحم الشافعي، اللهم ارض عن الشافعي؛ فيقول ابنه صالح: يا أبتاه أراك تدعو للشافعي كثيراً! قال: يا بني! أتدري ما مثل الشافعي؟ قال: لا.
قال: مثل الشافعي كالشمس للأرض وكالعافية للأبدان فهل منهما بديل؟
يأتي الشافعي وهو أكبر من الإمام أحمد سناً، فيزوره دائماً ويجلس معه! فيقول تلاميذ الشافعي للشافعي: كيف تزور أحمد وهو أصغر منك؟! فرد عليهم في بيتين:
قالوا يزورك أحمد وتزوره قلت الفضائل لا تغادر منزله
إن زارني فلفضله أو زرته فلفضله فالفضل في الحالين له
خرج الشافعي من بغداد وهو يعانق أحمد وهو يبكي، فيقول الشافعي: خرجت من بغداد وما خلفت أفقه ولا أزهد ولا أورع ولا أعلم ولا أخشى من الإمام أحمد.
إمام أهل السنة والجماعة.
فمن صفات الأولياء أنهم يتحابون في الله: الشافعي يكتب لـ أحمد قصيدة ويقول:
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي وإن كنا سواء في البضاعة
{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:٦٧] وجد من بعض الملتزمين المستقيمين من يصلي الخمس ويصوم رمضان ويحج البيت، ولكن يحب العصاة! جلساته مع العصاة، سمراته وسهراته مع أعداء الله، معهم في الليالي الحمراء، في الشاطئ الأثيم المتهم، في جلسة تغضب المولى سُبحَانَهُ وَتَعَالى!
حب الله وحب أعدائه لا يلتقيان في القلب، إن من أحب الله أحب أولياء الله وكره أعداء الله.
يا إخوتي في الله: تمييز الولاء والبراء لمن؟
وممن يكون البراء ولمن يصرف الحب؟
حب الإنسان لسنته، الإمام أحمد يقول: أرى الشيخ الكبير يخضب لحيته (بالحناء أو ما شابهه) فأفرح به وأحبه، لأنه أحيا شيئاً من السنة.
فهنيئاً لك يا أبا عبد الله تحب إنساناً فقط لأنه أحيا سنة الخضاب من المسلمين! فكيف بمن يصلي الخمس ويصوم الشهر ويدافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويحب سنته!