فأما الهداية العامة فهي هداية الخلق للخليقة: أن يهدي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كل مخلوق لما يريده ويحتاجه، فهدى الطفل لثدي أمه، والنملة إلى جحرها، والنحلة إلى خليتها، والطائر أن يأخذ رزقه، والثعبان أن يعيش، والسمك ألا يخرج من الماء، وهدى كل شيء، ولذلك احتج موسى ودمغ فرعون بهذه الكلمة:{قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه:٤٩ - ٥٠] قال الزمخشري: لله دره من جواب.
إذ لم يأت له بكلام مشترك، إذ لو قال: ربي عليم، لقال فرعون: وأنا عليم؛ لأن صفة العلم صفة مشتركة بين الخالق والمخلوق، والله أعظم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
لكن قال:{قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه:٥٠] فهذه هداية عامة للخليقة، حتى تجد الكافر، يهتدي للأكل والنوم، ويهتدي لرفع الثدي لطفله، وهذا أمر مشترك.
والهداية الخاصة: هداية المؤمنين، وهي الهداية إلى الصراط المستقيم:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة:٦] الذي من معالمه: أنه موصل وقريب ومتعين ومسلوك، وله إمام وهو الذي نطالب الله بلهفة وحرارة في كل ركعة أن يهدينا الصراط المستقيم.