[من مكائد اليهود: فعل الحيل المحرمة على الشرع]
الثامنة: ومن حيلهم الباطلة إذابة الشحم وبيعه كما في صحيح مسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم الشحم أذابوه فجملوه فباعوه} قال الله عز وجل: {إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام:١٤٦] حرم الله عليهم الشحوم، فأتوا إلى الشحم فقالوا: إنه شحم، صحيح أنه حرام، لكن إذا سخناه بالنار وأذبناه فليس بحرام، فأخذوا الحيل المحرمة، يقول ابن القيم: هي من أفضح الحيل المحرمة.
ومنها: أنهم لا يتناهون عن منكر فعلوه، وهذه الأمة وقعت في كثير مما وقع فيه بنو إسرائيل، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، يقول عليه الصلاة والسلام: {إنما أهلك الذين كانوا من قبلكم أن الرجل كان يلقى الرجل فيقول: يا عبد الله اتق الله! لا تفعل كذا، ثم لا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه من آخر النهار}.
أي: بعض الناس تجده فاجراً لا يصلي ولا يعرف كتاب الله عز وجل، فتمر به فتقول: يا عبد الله اتق الله! صلِّ مع الناس يفتح الله عليك، فلا يصلي، فيأتي في المساء يدعوك فتذهب إليه وتجالسه وتقول: أحسن الله مثوبتك، ما أكرمك وما أحسن خلقك! فهذا من جنس فعل بني إسرائيل، قال الله عز من قائل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:٧٨ - ٧٩].
فمن رأى المنكر ولم ينكر ولو بقلبه فهو من تلك الطبقة الذين يرون المنكر فلا ينكرون، ولذلك ورد في حديث أن جبريل عليه السلام أمره الله أن يزلزل قرية عن مكانها، فقال: يا رب فيها رجل صالح يعبدك ويسجد لك ويسبح ويكبر، قال: به فابدأ، فإنه ما تمعر وجهه في ذاتي.
من فضائحهم المخزية: أنهم ما استفادوا من العلم -نعوذ بالله من علم يكون وبالاً علينا، اللهم إنا نعوذ بك وبوجهك الكريم من علم لا ينفعنا- فإن هذا هو الخزي والعار، ومضرة العلم في جانبين: أن تتعلم علماً فلا تستفيده أو لا تبلغه للناس، ولا تعمل به، يقول عز من قائل في بني إسرائيل: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:٥].
الحمار تحمل عليه مجلدات فتح الباري والمغني والمجموع ورياض الصالحين، فلا يدري الحمار أن تلك الكتب وما فيها من هدى يحملها على ظهره، واليهود كذلك، حفظوا التوراة ولكن ما عملوا بما فيها من أحكام، قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:١٣].
ولذلك فهذه الشهادات لا تسقينا شربة ماء ومن خطط الماسونية في مؤتمراتهم يقولون: الثامن من البنود: أن يفصلوا طلبة العلم والدعاة عن طبقة العامة، وهذه أكبر جريمة، حتى يأتي طالب العلم عنده دكتوراه فيقول: أنا وصلت الآن في تحقيق مخطوطة في مطبعة بولاق، وموجودة منها نسخة في برلين، فأنا مشغول بالاتصال وتنسيق المواعيد حتى أحقق هذه المخطوطة، ويموت هو والمخطوطة ويدخل قبره، وأهل القرية ما تعلموا سورة الفاتحة، ويأتي يوم القيامة فيحاسبه الله، يقول: عندي رسالة دكتوراه، قال: ليس عندنا دكتوراه، الدكتوراه معناها: كبير التوراة، أي: كبير في التوراة، لأنها كلمة إسرائيلية.
فالمقصد أن من خطط الماسونية أن يفصلوا طلبة العلم عن الناس، فإذا وقع ذلك ما أصبح أحد يقول: قولوا لا إله إلا الله أو اقرءوا بسم الله، وتعم الفاحشة والبلوى، يقول سبحانه وتعالى في سورة الأعراف: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف:١٧٥] هذا إسرائيلي {فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:١٧٥ - ١٧٦].
وهذا هو بلعام بن باعوراء عالم كبير من علمائهم، لكنه ما استضاء بالعلم ولا علم أحداً، بل خيلاء في صدور المجالس على الكنب بجانب السلطان، فلما أراد الله أن يبتليه وأن يمتحنه قال له أحد الأنبياء: اذهب إلى أولئك الكفار وادعهم إلى الدين الخالص، فذهب فرشوه؛ حيث أعطوه قصراً وزوجوه منهم، وأعطوه شيئاً من الذهب والفضة، فأرسل إلى النبي أنه قد كفر بالآيات البينات، وأنه قد ارتد على عقبيه، فمسخه الله عز وجل وقيل: أنزل لسانه حتى أصبحت على صدره، حتى ما يستطيع أن يتكلم، هذا في الدنيا.
فيقول عز من قائل لمحمد صلى الله عليه وسلم: (واتل عليهم) أي: واتل على طلبة العلم، واتل على الدعاة، واتل على هؤلاء الذين يريدون أن ينقذوا الأمة، إياك أعني واسمعي يا جارة: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا} [الأعراف:١٧٥].
أعطيناه الآيات في صدره ليرتفع {فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف:١٧٥] يقول ابن القيم: ما أحسن هذا الشبه! يقول: إن الثعبان يكسى بجلد فإذا أراد أن يخلعه انسلخ منه، وكذلك الإنسان إذا تكسى بثوب جميل وأراد أن يتعرى منه انسلخ منه، فما قال سبحانه وتعالى تخلى وإنما قال: {فَانسَلَخ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} [الأعراف:١٧٥ - ١٧٦] لكن مشيئة الله عز وجل {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ} [الأعراف:١٧٦] أحب التراب والدنيا، وأحب الخلود وقنع بالدون فأعطاه الله ما تمنى.
وأنت إن كانت همتك عالية أعطاك الله ما تمنيت، فإن كانت همتك في الصلاح أصلحك الله، وإن كانت همتك في الفساد لم يعنك ولم يوفقك: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:٥] {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:٢٣].
فهذا كفر بآيات الله فاتبع هواه فمثله كمثل الكلب، انظر كيف مثل الله بني إسرائيل مرة بالحمار ومرة بالكلب، {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:١٧٦].
الكلب تأتي به وتجعله في الظل، كأن تدخله في غرفة مثلاً تجده يمد لسانه ويخرجها ويلهث وبطنه تضطرب، أو تخرجه في الشمس فتجده يمد لسانه ويخرجها وبطنه تضطرب، هذا مثل لمن تعلم فلم يتغير في سلوكه شيء، ولم يبلغ شيئاً، فهو سواء تعلم أو لم يتعلم، وما أبلغه من مثل! وما أعجبها من قصة لمن اتعظ واعتبر!