ابن بقية وزيرٌ عباسي، أطعمَ الناس وكسا العلماء، فحسده عضد الدولة؛ لأنه أخذ عليه الاسم الإعلامي، وأصبح رمزاً دائماً، فالصحف الصباحية تحيي ابن بقية في عهد العباسيين، وتركت السلطان عضد الدولة؛ فأتى عضد الدولة فتربص بهذا الوزير حتى أوقعه في حديقة، وأغلق عليه وأرسل عليه الفيل فركضه حتى مات، وفي الصباح تفاجأت الأمة الإسلامية بهذا الكريم الوزير الباذل التقي، وإذا هو مصلوب عند باب الطاق في بغداد، وقد صُلِبَ جثمانُه على خشبة الصلب، فيأتي أبو الحسن الأنباري أحد العلماء والأدباء العاشقين لـ ابن بقية فينظر إلى الجثمان، وإذا هو مصلوب فيقول:
علوٌ في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزاتِ
عجيب أمرك حتى في الموت ما يدفنونك في الأرض، دائماً تحب الخلود والعلو، انظر إلى الروعة والإبداع، يقول ابن خلكان: وأجزم جزماً أنه لا توجد مثلها مرثية يقول:
علوٌ في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزاتِ
كأن الناس حولك حين قاموا وفود نداك أيام الصِّلاتِ
الناس الذين حول الجذع والجثمان كأنهم يمدون أيديهم لتعطيهم الدنانير في الدنيا.
كأنك قائم فيهم خطيباً وهم وقفوا قياماً للصلاة
مددت يديك نحوهم احتفاء كمدهما إليهم بالهباتِ
ثم قال:
ولما ضاق بطن الأرض عن أن يواروا فيه تلك المكرمات
أصاروا الجو قبرك واستعاضوا عن الأكفان ثوب السافياتِ
يقول: ضاقت الأرض أن تواري مكارمك ولموعك وسطوعك وكرمك، فجعلوك في الجو، إلى آخر تلك القصيدة البديعة.