للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عظمة الصلاة]

عظم الصلاة وأنها قرة العين وسبب المحبة ورفع الدرجة وزلفى إلى الله؛ ولذلك جاء عنه صلى الله عليه وسلم كما في سنن النسائي بسند صحيح كما يقول ابن حجر: {وجعلت قرة عيني في الصلاة} فقرة عين النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة, وفي صحيح مسلم: {فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة} وفي صحيح مسلم من حديث ربيعة بن كعب بن مالك الأسلمي أو ابن مالك بن كعب ورد هذا وورد هذا لما قال: {يا رسول الله! أريد مرافقتك في الجنة.

قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود، فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة}.

فمن أعظم النوافل الصلاة, ولذلك إذا فرغت فتزود من النوافل, وتقدم إلى الله بركعتين, فإنه سوف يمر عليك وقت تتمنى أنك صليت ولو ركعة، ولكن كما قال سبحانه: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ:٥٤].

أبني أبينا نحن أهل منازل أبداً غراب البين فيها ينعقُ

نبكي على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا

أين الأكاسرة الجبابرة الألى كنزوا الكنوز فلا بقين ولا بقوا

من كل من ضاق الفضاء بجشيه حتى ثوى فَحَواه لحد ضيق

خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلق

ذُكِرَ عن مطرف بن عبد الله بن الشخير أنه مر على مقبرة في البصرة فقال: لا إله إلا الله! فلما أمسى تلك الليلة رأى قائلاً يقول: يا مطرف! مررت اليوم على المقابر فقلت: لا إله إلا الله! والله لقد حيل بين أهل المقابر وبين لا إله إلا الله، ولو علمت بفضل لا إله إلا الله لقطعت بها عمرك.

وذكر ابن كثير في ترجمة زبيدة زوج هارون الرشيد الخليفة أنها رؤيت في المنام بعدما توفيت، رآها ابنها الأمين الخليفة, فقال: ما فعل الله بكِ؟ قالت: كدت أهلك وأعذب, قال: أما أجريتي عين زبيدة -أي: للحجيج- قالت: ما نفعتني شيئاً عند الله, قال: ولَمَ؟ قالت: ما أردت بها وجه الله، أردت بها رياء وسمعة.

قال: فما نفعك إذاً؟ قالت: نفعتني ركعتان في السحر كنت أقوم فأتوضأ فأدور على شرفات القصر -قصر الخليفة- وأقول: لا إله إلا الله أدخل بها قبري, لا إله إلا الله أقضي بها عمري, لا إله إلا الله أقف بها في حشري, لا إله إلا الله ألقى بها ربي.

فهي التي نفعتها عند الله عز وجل مع هذا العمل الصالح.

وقيل للجنيد بن محمد: ما نفعك؟ -وهذه ذكرها أهل العلم كـ الخطيب البغدادي والذهبي في السير - ذكروا أنه لما توفي -والرؤيا في المنام بشرى كما قال عليه الصلاة والسلام- قالوا: ما نفعك؟ قال: طاحت تلك الإشارات وما بقي إلا ركيعات كنا نركعها في السحر, أي: أن الإشارات وكثرة الكلام والمجادلات والمباحثات والمناقشات ذهبت وما بقي إلا ركيعات نركعها في السحر.

فمن أعظم النوافل الصلاة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: {اعملوا ولن تحصوا، واعلموا أن أفضل أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن} حديث صحيح.

وابن تيمية يناقش ما هو الأفضل بعد الفرائض, كما في المجلد العاشر لسؤال أبي القاسم المغربي , فيرجح ويقول: شبه إجماع بين العلماء أن ذكر الله عز وجل بعد الفرائض أفضل الأعمال, لكن النافلة تختلف من شخص إلى شخص, بأسباب ثلاثة:

بالنفع وبالحاجة وبالحال.

فمن وجد في النافلة نفعاً له فعليه أن يكثر منها، صحيح أن القرآن أفضل الذكر، لكن بعض الناس كما ذكر ابن تيمية وغيره أنه يرق قلبه وفؤاده ويستحضر عظمة الله عند الدعاء, فالدعاء في حقه أفضل من قراءة القرآن.

وبعض الناس إذا استغفر وسبح وهلل استحضر قلبه, فيكون التسبيح والتهليل والتكبير أفضل من قراءة القرآن في حقه.

وبعض الناس إذا صام كان أفضل له من الصدقة، فقد تكون حالته المالية لا تتحمل الصدقة، فالصيام بحقه أفضل {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:٦٠] وقد مر تقرير هذا المبدأ الذي أتى به رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>