للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التكاسل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

السؤال

فضيلة الشيخ: كثيرٌ من الناس يرون منكراً ولا يغيرونه، وهذا يدل على عدم تنفيذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من رأى منكم منكراً فليغيره} فما هي نصيحتكم لهم، وجزاكم الله خيراً؟

الجواب

من أكثر ما منيت به الأمة الإسلامية موت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياتها، وميزة الأمة ومن خصائصها العظيمة التي تتميز بها بين الأمم، أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠].

وعند ابن حبان من حديث أبي ذر مرفوعاً قال: {أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أقول الحق ولو كان مراً} والحق مُر، قد يذهب بالرءوس، وقد يزهق النفوس، وقد يضايق في رزقه، وقد يضيق على العبد، ولكن قل الحق ولو كان مُراً، لكن في قالبٍ من اللين: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩].

وقد عاشت الأمة إهمالاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتولت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقوم به فئة من الناس، والآخرون ينظرون كأنه ليس لهم سوقٌ وليس لهم مكانة ولا وزن ولا عليهم مسئولية فانهدت سمة الأمة وضاعت مبادئها، وتردى حالها والعياذ بالله.

وكيف نعود للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

أولاً: له آداب، من آدابه كما يقول شيخ الإسلام في المجلد الثامن والعشرين من الفتاوى: آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مفصلة، وهي من أحسن ما كُتب، قال: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ونهيك عن المنكر بلا منكر، ويجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون بصيراً بما يأمر به وبصيراً بما ينهى عنه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي} [يوسف:١٠٨].

قال أهل التفسير: على بصيرة؟! أي: على علم.

وقيل: على إيمان، وقيل: على إخلاص، والظاهر -والله أعلم- أن على علم أحسن الكلمات.

إذاً يجب على الداعية أمور:

أولاً: أن يعلم ماذا يدعو إليه ويعلم المعروف ويعلم المنكر.

ثانياً: أن يكون عمله خالصاً لوجه الله عز وجل، لا يريد إلا أن تكون كلمة الله هي العليا، وقصده من هذا الكلام والغضب والتغيير؛ أن تكون كلمة الله هي العليا، فإن بعض الناس يتشفى في المدعوين؛ لدخائل في نفسه فينهاهم ويأمرهم، ففي الظاهر أنه يريد إقامة الدين، وفي الباطن يريد أن يتشفى هو، فلا يجعل الله له قبولاً.

ثالثاً: أن يكون ليناً: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:٤٤].

دخل رجل على هارون الرشيد فقال: يا هارون! قال: نعم.

قال: اسمع مني كلاماً شديداً، قال: ولمَ الشديد! والله لا أسمع، والله لا أسمع، والله لا أسمع، أرسل الله من هو خيرٌ منك، لمن هو شرٌ مني فقال له: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:٤٤].

رابعاً: أن يتدرج الداعية والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر فيما يأمر به وينهى عنه، فإن بعض الناس يركز على صغار المسائل قبل كبارها، ويعطي المسألة أكبر من حجمها، بل البعض -مثلاً- يجعل من تربية اللحية، كأنها مسألة الساعة، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما بعث إلا ليربى الناس لحاهم، فتجده يطيل المحاضرة والكلمات والخطب ويتكلم دائماً عن تربية اللحية وفضل تربية اللحية وما جاء في عقاب من حلق لحيته ويتباكى ويبكي، وهذا قد أعطاها أكبر من حجمها وأكثر من حقها:

ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضرٌ كوضع السيف في موضع الندى

فالمسألة لها حجمٌ يليق بها، ولإسبال الثوب حجمٌ يليق به، وللسواك، ولجلسة الاستراحة {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:٣] وهذا منهج القرآن أن يأتي بالمسألة في حجم، وأختها في حجمٍ آخر، والرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين أرسل معاذاً فقال: {ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله} ثم تدرج بالمدعوين، إلى أن أوصلهم إلى آخر أركان الإسلام، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

وبقيت مسألة أختتم بها هذا الكلام، ربما يفهم من كلامي أني أهون من شأن بعض المسائل في الإسلام، وهذا خطأ.

وأنا أظن أن الصحيح هو الوسط، فلا إلى أقصى اليمين ولا إلى أقصى الميسرة، فبعض الناس يجعل من هذه القضايا قضايا كبرى في حياة الناس، فلا يتكلم إلا عن هذا، بل تجد أن بعضهم يذهب إلى أناس لا يصلون، فيأمرهم بتربية لحاهم وبتقصير ثيابهم وبخصال من السنة وهم لا يصلون، يقول ابن تيمية: إن الطبيب إذا اشتكى المريض من جسمه مرضين مختلفين داوى الأخطر.

فالسرطان قبل الزكام، وهذا أمرٌ معلومٌ عند العقلاء.

الأمر الثاني: أن بعض الناس يقولون: هذه قشور اللحى قشور والثياب قشور والسواك قشور نريد اللباب.

وهم القشور أنفسهم، فليس في الإسلام قشور بل كله لباب، ولكن تعطى المسألة حجمها والحمد لله: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة:٢٦٩].

<<  <  ج:
ص:  >  >>