[حكم الغسل لمن جاء الجمعة من غير أهل الوجوب]
هل الغسل على من يأتي الجمعة من أهل الوجوب أو على من يأتي الجمعة وليست بواجبه عليه، كالمسافر أو المرأة والطفل؟
في الحديث الصحيح عن جابر بن سمرة، وعن ابن عمر مرفوعاً: {غسل يوم الجمعة واجبٌ على كل محتلم} لكن لفظ واجب هنا كما يقول ابن حجر: لا تعرَّف كما يعرفها أهل الأصول أنه بمعنى الأمر، أي بمعنى الحتم الذي عرف عند الأصوليين، لا.
بل هو بمعنى أمرٌ مؤكد، فقال صلى الله عليه وسلم: {غسل يوم الجمعة واجبٌ على كل محتلم} لأنه يروح إلى الجمعة والظاهر من ألفاظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم: أن من أتى إلى الجمعة سواءً من أهل الوجوب أو من غيرهم فعليهم أن يغتسلوا، لماذا؟ لحديث: {من اغتسل يوم الجمعة ثم راح} {ومن أتى الجمعة فليغتسل} رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أتى الجمعة فليغتسل} فلم يحدد عليه الصلاة والسلام.
وللفائدة أنه قد مر معنا أن المسافر في حديث الطبراني حديث: {ليس على مسافرٍ جمعة} لكنه حديث ضعيف، فيه عمر بن عبد العزيز وليس هو الخليفة رضي الله عنه، لكن رجلٌ ضعيف لا يصح حديثه، لكن ابن تيمية كما يذكر البليهي في السلسبيل حاشية زاد المستقنع، قال: من كان مسافراً وحضر بلداً تنعقد فيه الجمعة فعليه أن يحضرها وجوباً؛ لأنه سمع النداء، كأن يذهب إنسان لنزهة أو رحلة فينزل في مكان وهو مسافر فيسمع نداء يوم الجمعة فعليه أن يحضرها وجوباً، فالغسل ليس للوجوب.
وقد ذكر ابن حجر أنه ثبت أن النهار اثنتا عشرة ساعة، والحديث الذي رُوي وفيه أن النهار اثنتا عشرة ساعة رواه أبو داود ورواه الحاكم في المستدرك وقد وضعت الساعات الموجودة عندنا على هذه الساعات، فإن النهار اثنتا عشرة ساعة، واستشهد كذا بعض المالكية وقالوا: كيف بساعات الصيف وساعات الشتاء فإنها تختلف؟ قالوا: تقدر خمس ساعات، هذا ما ورد.
ومن الإشكالات -أيضاً- في موضوع حكم غسل الجمعة إنكار عمر على عثمان عدم اغتساله، فإن عثمان جلس ولم يغتسل، فجلس والصحابة كلهم في المسجد، وهذا يدل أنهم أجمعوا إجماعاً سكوتياً أن الغسل غير واجب، ولو علموا أن الغسل واجب لأنكروا على عثمان ولقالوا: أخطأت، كيف ينكر عليك أمير المؤمنين ثم تجلس، ولو علم عثمان رضي الله عنه أنه واجب لما جلس رضي الله عنه وأرضاه.
ثم الرد الثاني: أن قوله صلى الله عليه وسلم: {من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل} لكن ابن حزم يرى أن الغسل واجب في المحلى، ويستدل بأدلة قوية من ذكائه وفطنته حتى يقول ابن تيمية لما تعرض لمسألة من مسائله: والله إني أعجب من هذا الرجل -يعني ابن حزم - من ذكائه وفطنته ومن شواذه وغرائبه، وليس معصوماً إلا محمد صلى الله عليه وسلم، فـ ابن حزم يقول: الغسل واجب، وأما حديث عثمان فلم يذهب للاغتسال إما لأن الوقت ما أسعفه، فكيف يذهب يغتسل وعمر على المنبر؟! هذا الأمر الأول.
والأمر الثاني: أن استماع الخطبة أوجب عنده من الغسل والغسل واجب.
والأمر الثالث: أن سكوت الناس ليس فيه دليل، فقد يكون عند أحدهم علم، لكن كيف يتكلم وعمر يخطب.
فهذه مجمل ردود ابن حزم.
لكن الصحيح أن الغسل ليس بواجب، ولو أن بعض أهل العلم أوجبوه.