يتجمع عليه المنافقون، والكفار، والمشركون، واليهود، والنصارى، ويحيطون بـ المدينة، فيحفر الخندق، فينزل إلى الخندق، ويرفع الثوب، وعلى بطنه حجران من الجوع، فيضرب الصخرة بالمعول؛ فيتفجر شظى النار في الهواء؛ فيقول:{هذه كنوز كسرى وقيصر، والله لقد رأيت قصورهما، وإن الله سوف يفتحها عليَّ} فيضحك المنافقون، ويقولون: ما يجد أحدنا حفنة من التمر، وهو يبشرنا بقصور كسرى وقيصر، فيتبسم؛ لأن الله يقول له:{فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً}[المعارج:٥].
وبعد خمسٍ وعشرين سنة، تذهب جيوشه وكتائبه من المدينة فتفتح أرض كسرى وقيصر، وما وراء نهر سيحون وجيحون، وطاشقند، وكابول، وسمرقند، والسند، والهند وأسبانيا ويقف جيشه على نهر اللوار، وعلى شمال فرنسا، لماذا؟
لأن الله يقول له:{فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً}[المعارج:٥].
يأتيه ابن عمه:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً على النفس من وقع الحسام المهند
فيدخل على الرسول عليه الصلاة والسلام على معلم الخير، على هادي البشرية؛ فيتبسم، ولا يقول كلمة، ولا يغضب، ولا يتغير وجهه:{فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً}[المعارج:٥].
يأتي أبو جهل فيأخذ ابنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، طفلةٌ وديعة، أذكى من حمام الحرم، وأطهر من ماء الغمام، فيضربها على وجهها، ضربه الله، فيتبسم عليه الصلاة والسلام، ولا يقول كلمةً واحدةً:{فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً}[المعارج:٥].
يأتي الأعرابي من الصحراء فيجرجره ببردته، ويسحبه أمام الناس، وهو يضحك:{فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً}[المعارج:٥].
أيُّ صبرٍ هذا؟!! إنها والله دروس لو وعتها الأمم لكانت شعوباً من الخير، والعدل، والسلام، لكن أين من يقرأ سيرته؟!! أين من يتأمل معانيه؟!!