[المنع من الأكل من الشجرة]
ثم قال الله لهما: اسكنا في الجنة وتمتعا فيها, هذه قصورها وأنهارها وثمارها، وكلا مما لذ وطاب، لكن هذه الشجرة لا تأكلا منها، لماذا؟ إنه امتحان وابتلاء من الله، ليرى عبوديتهما، وصدقهما, وليرى إيمانهما.
ما هذه الشجرة؟
اختلف أهل العلم إلى أقوال: قيل السنبلة: البر: الحنطة تسمى الحنطة والبر والقمح وكلها أسماء لهذه السنبلة.
وقيل الكرم: العنب، وقيل: التين وهذا غير مهم كما قال ابن جرير؛ لأن الله لم يحدد لها اسماً بعينها, ولم يسمها لنا, ولم يأت بها قرآن ولا سنة فلماذا نتكلف؟
وأحب شيء إلى الإنسان ما منع منه, فإذا أدخلته غرفة مكيفة مفروشة, وعنده ما لذ وطاب من الطعام والشراب ثم قلت له: احذر! لا تخرج من هذه الغرفة وإن خرجت عاقبناك عقاباً أليماً، فيأتي فيتقهقر فيقول: منعني من الخروج, وحبسني في هذا المكان, حسبنا الله عليه! لكن اتركه, ولا تقل له: لا تخرج, بل قل: خذ راحتك وأنت مرتاح، فإنه سيأخذ راحته ولن يفكر في شيء, قال علي بن أبي طالب: [[لو منع الناس من فت البعر لفتوه]].
فأحب شيء إلى الإنسان ما منع منه, ولو منع الناس من فت البعر لفتوه، لو أتى حديث: "لا تفتوا البعر" سيقول الناس: لماذا؟ إن فيه سراً فلنجرب.
ولذلك الخمر التي تذهب العقل واللب وتفسد الأسر وتسبب التناحر بين الأقارب، وتقتل بها أمك وزوجتك, وترتكب بها الطامات، ومع ذلك يسافر لها بعض الذين لا يرجون لله وقاراً، ولا يخافون لله هيبة ولا رقابة إلى بلادها، بل بعض الناس بلغ الثمانين من عمره وهو يعاقر الخمر ويشربها, وقد ذهب لبه وعقله وإرادته.
وكذا الزنا، والنظر إلى المحرمات والغناء وأمثالها، وهذه هي التكاليف.
ولو كانت المسألة بلا منع ولا حذر, لم يكن هناك ابتلاء ولكان الناس في الجنة، وما عرف الطيب من الخبيث والمؤمن من الكافر.
فلما منعه الله أتى إبليس يوسوس له، فهذه هي العداوة.