[عاقبة الكفر بالنعم]
يقول سيد قطب في في ظلال القرآن يتحدث عن سورة سبأ، وينتقل بنا القرآن إلى قرية نائمة من قرى اليمن إلى سبأ، هذه قرية سبأ قرية رغيدة، مثل هذه المنطقة الجنوبية، هواء طلق، وماء عذب، وأطيار تزغرد، وحدائق غنَّاء، وبساتين وارفة، ونعمة من كل ما سألنا الله أعطانا، ونعمة الجو نعمة لا تُنْكَر، يقول الله لبني إسرائيل {وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ} [الأعراف:١٦٠] يمتن الله عليهم ويقول جوهم طيب، درجة الحرارة عندهم معتدلة، يقول: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ} [الأعراف:١٦٠] يقول الله عن تلك القرية الآثمة، قرية سبأ: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ:١٥] أسلوب القرآن بديع، يقول بعضهم: " يا ليت الناس يذوقون ما أذوق - وأظنه سيد قطب يقول في سورة الرعد - ليتهم يفهمون ما أفهم من هذا الأسلوب البديع، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ:١٥] يذكر في التفسير: أن كل رجل من سبأ كان عنده بستانان، عن يمين بيته وعن يساره، العذق الواحد لا يحمله إلا فرسان، يقولون: كانت تذهب المرأة بالمكتل على رأسها، فيمتلئ من كثرة ما يتساقط من الثمار والشجر، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ:١٥] اسمع الأسلوب: {فَأَعْرَضُوا} [سبأ:١٦] كيف أعرضوا؟ يقولون: أدمج سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وعمم وأطلق الإعراض ولم يفصل؛ لأن إعراضهم أكبر من أن يُتَحَدَّث عنه، أعرضوا عن طاعة الله، أعرضوا عن تحكيم شرع الله، أعرضوا عن قبول الهداية، صموا وعموا: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ:١٦ - ١٧].
وقد ورد من حديث أبي هريرة عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {كان فيمن كان قبلكم ثلاثة، أقرع وأبرص وأعمى، أراد الله أن يمتحنهم وأن يبتليهم، فأرسل الله إليهم ملكاً من الملائكة، فأتى الأقرع، قال: ماذا تريد؟
قال: أريد شَعَراً جميلاً فقد قذَّرني الناس، فسأل الله أن يمنحه شعراً جميلاً فأنبت الله الشعر على رأسه.
قال: ماذا تريد من المال؟
قال: قال الإبل - الرجل مغرمٌ وعاشق للإبل - فسأل الله له، فرزقه ناقة عشراء فولدت حتى ملأت وادياً.
ثم ذهب إلى الأبرص، وقال: ماذا تريد؟
قال: جلداً حسناً، ولوناً جميلاً فقد قذَّرني الناس.
قال: اللهم رد عليه لونه وجلده، قال: ماذا تريد من المال؟
قال: البقر.
قال: اللهم ارزقه بقرة، فرزقه الله بقرة حاملةً، فوضعت فملأت وادياً من الأبقار.
وذهب إلى الأعمى، قال: ماذا تريد؟
قال: أن يرد الله عليَّ بصري.
قال: اللهم رد عليه بصره.
قال: ماذا تريد من المال؟ قال: الغنم.
فرزقه الله شاة حتى ملأت وادياً.
ثم أتى المَلَك في صورة مسكين -امتحان من الله- عليه ثياب رثة، وفي حالة بائسة، فوقف أمام الأقرع -الأول- فقال: أنا رجل مسكين انقطعت بي السبل ولا معين لي إلا الله، ما تعطيني هذا اليوم، أسألك بالذي رد عليك شَعَرك والذي منحك هذا المال، أن تعطيني هذا اليوم.
قال: الحقوق كثيرة، والمال مالي، وورثته كابراً عن كابر.
قال: كأني بك كنت أقرعاً وفقيراً.
قال: لا.
لم أكن أقرعاً ولا فقيراً.
قال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت، فصيره الله إلى ما كان.
ثم ذهب إلى الأبرص.
قال: لا.
المال مالي ورثته أباً عن جد والحقوق كثيرة.
قال: كأني بك كنت أبرصاً وفقيراً.
قال: لا.
لم أكن أبرصاً ولا فقيراً.
قال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت، فصيره الله إلى ما كان.
ثم ذهب إلى من كان أعمى فسأله، قال: أما أنا فقد كنت أعمى فرد الله عليَّ بصري وكنت فقيراً فأغناني الله، أما اليوم فوالله لا أشكرك على شيء تركته، خذ ما أردت واترك ما أردت، المال مال الله.
قال: أنا رسول الله أخبرك أن الله رضي عليك، وسخط على صاحبيك}.
وهذا شكر النعم.
أسأل الله لي ولكم الثبات والسلامة والهداية والرشد، وأسأل الله أن يصلح منا الظاهر والباطن، وأن يصلح ولاة أمورنا، وأن يوفقهم، ويهديهم سواء السبيل، وأن يرزقهم البطانة الصالحة الناصحة، التي تدلهم على الخير، وتخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، وأسال الله لنا ولكم الستر في الدنيا والآخرة، والعون والسداد، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.