للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[هل من توبة؟]

هل من توبة يا مسلمون؟ وهل من عودةٍ إلى الواحد الأحد؟

قال سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:٥٣] {أتى رجلٌ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أذنبت، قال: تب إلى الله، قال: ثم أذنب، قال: تب إلى الله، قال: ثم أذنب، قال: تب إلى الله، قال: ثم أذنب، قال: تب إلى الله، قال: إلى متى؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المدحور} رواه ابن حبان وغيره.

فكلما أذنبت فعد إلى الواحد الأحد، واغسل خطيئتك بماء التوبة، واستغفر وراجع حسابك مع الله، واعلم أن التوبة واجبة.

بادر بالتوبة النصوح قبل احتضار وانتزاع الروح

لا تحتقر شيئاً من المآثم وإنما الأعمال بالخواتم

ومن لقاء الله قد أحبا كان له الله أشد حباً

حضروا أبا بكر رضي الله عنه وهو مريض في سكرات الموت، أصاب جسمه النحيل، جسم الصيام والعبادة، وجسم الجهاد وقيام الليل، فزاره الصحابة، قالوا: [[يا خليفة رسول الله! ماذا تشتكي، قال: أشتكي ذنوبي -ذنوبك يا أبا بكر وأنت المجاهد الأول، والمصدق الأول، والزاهد الأول- قال: أشتكي ذنوبي، قالوا: ماذا تريد؟ قال: أريد المغفرة، قالوا: ندعو لك طبيباً؟ قال: الطبيب قد رآني، قالوا: ماذا قال لك؟ قال: إني فعال لما أريد]].

كيف أشكو إلى طبيب ما بي والذي قد أصابني من طبيبي

يقول بعض أهل التفسير: كان إبراهيم عليه السلام، يقول في السحر: أواه من ذنوبي، أواه من خطاياي، أواه من سيئاتي، فسماه الله (أواه منيب) إبراهيم الصديق العظيم الحنيفي المسلم الذي لم يكن من المشركين يقول: أواه من ذنوبي ومن خطاياي.

وقال الإمام أحمد في كتاب الزهد: كان بلال يقول مع السحر: [[يا ألله! هذا إقبال نهارك، وإدبار ليلك، وهذا سحرٌ فاغفر لي عللي]].

وقال أبو عبيدة عامر بن الجراح: [[يا ليتني كنت رماداً تذروني الرياح]].

وقال عمر: [[يا ليتني كنت شجرةً تعضد]].

وقال ابن مسعود: [[والله لو علمتم بذنوبي لحثيتم على رأسي التراب]] رضي الله عنهم وأرضاهم، كانوا أطهاراً، كانوا عباداً، ليلهم سهرٌ مع الواحد الأحد، قيام ودموعٌ وخشوع وخضوعٌ وركوع، ونهارهم جهاد ودعوة وبذل وعطاء، وليلنا اليوم قد تحول إلى موسيقى، وغناء، ولهوٍ، وعودٍ، وعهرٍ، وفحشٍ، ومعصية إلا من رحم ربك، وتحول النهار إلى غيبة وشهادة زورٍ، ونظرٍ محرم فنشكو حالنا إلى الله عز وجل.

يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه

كم نطلب الله في ضرٍ يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه

ما أقرب البحر في الشاطئ، أما في السفينة فعباد أتقياء، وأما على الشاطئ فعصاة، فإذا ركبوا في البحر دعوا الله مخلصين له الدين، إذا هبت الريح، وتزلزلت السفينة، عادوا إلى الواحد الأحد، فإذا نزلوا إلى الشاطئ نسوا الله.

المحدث الطبري ركب سفينة، فلما اقترب من الشاطئ قفز من السفينة على الشاطئ، فأراد تلاميذه الشباب أن يقفزوا فما استطاعوا، فقالوا: كيف استطعت وأنت في الثمانين ونحن شباب ما استطعنا قال رضي الله عنه: هذه أعضاء حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر.

ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه

ونركب الجو في أمنٍ وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله

العجيب أن الله عُصي في البر والبحر وعلى الشاطئ وعلى الطائرات، فسبحان من يعفو! وسبحان من نسأله أن يتوب علينا! وأن يرد ضال المسلمين، وأن يهدينا إليه هداية عامة مطلقة! اللهم إنا قد أسلمنا وآمنا وصدقنا، اللهم فافتح لنا باب القبول، اللهم أغثنا بفضلك ومنك وكرمك، اللهم رد ضال المسلمين، اللهم اهدنا سواء صراطك المستقيم، وثبتنا على الحق إلى يوم نلقاك.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>