وقال القطب النيسابوري: رأيت نور الدين محمود في المعركة، قد خلع درعه، ثم استقبل القبلة، ثم بكى ومرغ وجهه في التراب، وقال: اللهم لا تخذل أمة محمد على يدي، قال له أحد الجنود: بالله لا تخاطر بنفسك يا محمود! فإن أصبت في معركة، فإنه لا يبقى أحد للمسلمين مكانك، فبكى وقال: من محمود؟ إن الله هو الذي نصر الدين قبل محمود ونصر الدين بعد محمود وحفظ الله الدين بلا إله إلا الله.
ولما اصطف الناس أمام الفرنجة الصليبيين في دمياط في أرض مصر، خرج ثم التفت إلى السماء وقال: اللهم نصرك، اللهم نصرك، اللهم نصرك، فابتدأت المعركة بسهم أطلقه صليبي فوقع في عين أخيه نصر الدين فذهبت عين أخيه، فالتفت إلى أخيه وقال: أحسن الله عزاءك في عينك، والله! لو علمت الأجر لتمنيت أن تذهب الثانية.
ويذكرني هذا بقصة قتادة بن النعمان التي ذكرها ابن القيم في زاد المعاد أنه لما حضر يوم بدر، ضربت عينه بالسيف فنزلت على خده فأتى عليه الصلاة والسلام فردها بيده فصارت أجمل من العين الأخرى، فكان ابنه يقول:
أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد
ووقف نور الدين محمود في المعارك، قال الذهبي: خاض أكثر من خمسين معركة، وافتتح أكثر من ثمان وعشرين قلعة، وكانت دولته تمتد من تركيا في الشمال إلى اليمن، وهو الذي قضى على الرافضة والباطنية والإسماعيلية وشردهم كل مشرد.
وامتدت دولته -أيضاً- من بلاد مصر إلى جبال القوقاز، وهو مربي صلاح الدين الذي فتح الله على يديه في حطين
يروي المكارم أكرم الجدين عن أشجع الشجعان نور الدين