للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أحواله الشخصية]

كانت معيشته معيشة متوسطة تميل إلى الفقر، من أبوين متدينين، دخل عليه أبوه وهو يقرأ القرآن بعد الفجر ويلاعب أخته الطفلة الصغيرة، فقال له: يا إقبال! اقرأ القرآن كأنه أنزل عليك.

قال: فأخذت بهذه الوصية فكنت أقرأ القرآن كأنه أنزل عليّ, فيتأثر بذلك.

يقول سيد قطب رحمه الله في الظلال: كدت أتوافق أنا ومحمد إقبال في المعاني، وربما توافقنا في الألفاظ.

وحياة الرجلين متفقة في مجملها؛ فذاك درس الدراسة الغربية، وهذا كذلك، وذاك يملك طموحاً وهذا كذلك، وذاك يملك عصا الإيمان، وهذا كذلك.

شعراء الضلال سحار فرعون وأنت العصا وأنت الكليم

تزوج ثلاث مرات، المرة الأولى لم يوفق وأنجب من زوجته الأولى طفلتين وولداً، وتزوج الثانية ثم الثالثة.

كان يسكن بيتاً متواضعاً، فقيل له: لماذا تسكن هذا البيت؟ قال: إني أسكن العالم.

وبالفعل كان يسكن العالم، كان يتبرم بالأوضاع التي يعيش فيها، وينظر إلى الهنود وإذا هم يعيشون حياة بعيدة عن الإسلام، وينظر وإذا المسلمون مستخذلون بالاستعمار، فينفر ويقطب جبينه ويحاول أن يثور كالبركان.

كان مريضاً في حياته، والعظماء كثيراً ما يمرضون، فتجد العظماء عندهم خلل في الهيكل الجسمي, قطع الغيار عندهم لا تتوفر، إما الكلى أو الرئة أو العين أو اليد، وهذا أمر معلوم بالاستقراء والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أعلى وأعلم.

عاش في فترات ثلاث:

الفترة الأولى: فترة الشباب:

قضاها في العلم النافع، وهو علم مجمل من علم الشريعة، والرجل ليس مفتياً ولا واعظاً وإنما كان عنده علم مجمل، ويخالفه طلبة علم وعلماء الشريعة في بعض القضايا التي سوف أعرج عليها.

أنا -يا أيها الأخوة! - لا أعرض عليكم الليلة محمد إقبال على أنه مفتٍ، ولا من هيئة كبار العلماء، ولا شارحاً للطحاوية، إنما أعرض عليكم محمد إقبال شاعراً عالمياً، لا نجد مثلاً للشاعر الذي يقدم للإسلام شعراً قوياً أصيلاً إلا محمد إقبال.

وأنا أعرف أن أمامي من الدكاترة والأساتذة والأدباء من قد يخالفني في بعض المسائل ويوافقني في البعض ولكن أقول لهم:

إن يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد

أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد

الفترة الثانية: فترة الرجولة:

عاش إقبال صارخاً في شعبه يريد أن يوحد دولته، ولذلك هو الذي كان سبباً في إقامة دولة باكستان بعد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأهل باكستان اليوم إذا احتفلوا بعيد محمد إقبال يخرج ثمانون مليوناً في الشوارع، يحملون صور محمد إقبال ويهتفون:

إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنياً لمن لم يحي ديناً

ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قريناً

والشعر شعر إقبال.

الفترة الثالثة: فترة الشيخوخة:

قضاها متأملاً , كان يصعد إلى الجبال ويكتب، ونحن لم نفهم شعره, لكنه مترجم, وربما تكلم بالعربية ببعض القصائد فحرك الأجيال، يقول الباكستانيون: كان يكتب قصيدة في الليل، فتنشر في الصحيفة في اليوم الثاني -كما يذكر الشرباصي وغيره- فيخرج الشعب هائجاً مائجاً في الشارع, وهذا والله الأدب، وهذا والله السحر الحلال، وهذا والله الفيتامين الذي ما ملكه إلا محمد إقبال؛ أن ينظم قصيدة وتنشر في الصحيفة ثم يخرج الملايين يدندنون بفكرته، ولذلك ثاروا على الإنجليز وأقاموا دولة, وسوف أعرض لبعض مقتطفاته.

<<  <  ج:
ص:  >  >>