قاله ابن حجر وأيده ابن القيم على هذا؛ لأن بعض الناس من المغالين في التصوف يقول: إنه لا يجوز الشبع، وإن الإنسان حرام أن يشبع، ويلقون محاضرات في الشبع، هذا غير صحيح فـ أبو هريرة شبع حتى حلف بالله العظيم أنه لا يجد له مسلكاً.
دخل أبو دلامة على هارون الرشيد الخليفة العباسي، فقال هارون الرشيد: يا أبا دلامة! سمعت أنك تطلب الحديث في هذه الأيام -وأبو دلامة رجل مزاح فكاهي، يرافق الخلفاء في الجهاد والغزو والسمر- قال هارون الرشيد: سمعت أنك تطلب الحديث في هذه الأيام.
قال: نعم.
تعلمت الأحاديث فنسيتها كلها إلا ثلاثة أحاديث.
قال: وما هي؟ قال: قوله صلى الله عليه وسلم: {إذا حضر العِشاء والعَشاء فابدءوا بالعَشاء قبل العِشاء} وقوله عليه الصلاة والسلام: {اشرب يا أبا هريرة! قال: والله لا أجد له مسلكاً} وقول الصحابي: {كان صلى الله عليه وسلم يحب الحلوى والعسل} فضحك هارون الرشيد حتى ترح برجله.
فهذه الأحاديث تحفظ والحمد لله، ولذلك سوف ننسى كل هذه القصة ونحفظ قوله: فشبعت حتى ما وجدت له مسلكاً.
قال ابن القيم: شبع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم مرة من المرات.
لماذا؟ لأنهم ما يجدون الطعام دائماً كما نجده نحن، وإلا فنحن والحمد لله الوجبات تلو الوجبات بالساعة والدقيقة ما تختلف، والصحابة قد تمر بهم وجبة اللحم في الشهر أو الشهرين أو الثلاثة، وبعضهم أكثر من ذلك، فإذا حصلت هذه المكرمة أكثر منها؛ لأنه لا يدري ماذا سيحدث له فيما بعد، فهذا وارد.
لكن يقول ابن حجر: ورد عند الترمذي بسند حسن: {إن أكثر الناس في الدنيا شبعاً أكثرهم جوعاً يوم القيامة} وهذا يقصد به أهل الشهوات الذين لا يستخدمونها في طاعة الله عز وجل، ولا يستعينون بها على مرضاته تبارك وتعالى، وإلا فالله يقول:{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً}[المؤمنون:٥١] وأمر الله المؤمنين بما أمر به المرسلين، فلو أن الإنسان إذا أكل طيباً وعمل صالحاً؛ لكان صالحاً عند الله، كلامه وأكله طيبٌ وفعله، لكن أن يأكل طيباً ويفعل القبيح، يأكل نعم الله ثم يعصيه ويتمرد عليه، هذا ليس بلائق.
وهل من المروءة أن يضيفك رجل في بيته فكلما أكلت طعامه قمت تضاربه في البيت؟ ولله المثل الأعلى.
فمن يأكل طيباً ويعمل صالحاً فهو مأجور ومشكور، ولو احتسب أكله عند الله لآجره الله في الدنيا والآخرة.