[حماية الله لبيته]
أعلن أبرهة القدوم إلى الكعبة، فلما أصبح في وادي محسر قال للجيش: وجهوا الفيل "محمود" إلى الكعبة، فكلما وجهوه رد رأسه إلى غير الكعبة، فيضربونه فيلزم مكانه، فيوجهونة يمنة ويسرة وخلفاً فيعود ويمشي، فإذا وجهوه إلى البيت العتيق برك مكانه، ضربوه ووخزوه بالسيوف والرماح فأبى، لأن الله أنزل في خَلَده أن هذا البيت بيته، وأن هذه كعبته لا يمكن أن يتجرأ عليها معتدٍ أو يهجم عليها غاشم، سبحان الله!
وبينما هم يحاولون مع الفيل في وادي محسر في المغمس وإذا بالله عز وجل من فوق سبع سماوات لم يقاتل أبرهة بجنودٍ ولا بملائكة؛ فـ أبرهة أقل وأذل وأضل من أن يقاتل بجنود، ولم يرسل عليه طوفاناً فهو ذليل خسيس حقير، ولم يأمر الجبال أن تصطدم عليه فهو حقيرٌ وصغيرٌ، ولم يزلزل عليه الأرض لأن سنة الله في الجبابرة والكفار أن يحاربهم بأصغر الحشرات، فقد حارب فرعون بالجراد والقمل والضفادع، وحارب النمرود بالبعوض، وأما أبرهة فأمر الله طيراً أتت من البحر كالخطاطيف واحدها أبيل، وهي طيور كثيرة خرجت من صباح ذاك اليوم الذي أعلن فيه أبرهة الهجوم على بيت الله، وأخذت ترسم طلعات على سماء مكة لترى مواقع العدو الفاجر وأعداء الله الخاسرين، وعادت لتقصف مواقع الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر.
قال ابن عباس: [[كانت طيراً خضراً يحمل كل طائر ثلاثة من الحجارة: حجرين في أرجلها وحجر في منقارها، فإذا أصبح فوق الجيش أطلق وصاح بصوت له أزيز في السماء فتقع الحجارة وعليها أسماء جنود أبرهة لئلا يأخذ أحد غير نصيبه]] كل بقسطه وحظه وجائزته التي ألحقت به العار والشنار واللعنة والمقت، وأخذت الطير من البحر تقف كالخطاطيف، وأهل مكة يصيحون مذهولين مما رأوا من العجب العجاب! وأخذت الطيور تغطي الشمس عن الناس حتى أصبحت كالسحب المتكاثفة أو كالغمام، وأما الحجارة فأخذت تنزل بعمق.
يقول مجاهد: [[لا تنزل في رأس الكافر إلا نزلت من دبره، ولا تأتي من جنبه إلا نزلت من الجنب الآخر]].
سبحان الله! ما أعظم الله وما أجله يا أهل الجزيرة! كيف منعكم وحماكم؟ كيف أعلى بيتكم ورد المعتدي على الكعبة فلماذا لا تشكرونه؟
أبعد هذه المنة من منة؟! لاوالله.
وقتل الجيش وأصبح بعضه على بعض كالعصيف -وهو الزرع إذا عصف وأكل وديس بالأرجل- أما أبرهة الأشرم فعاد وأصبح يتقطع في الطريق إصبعاً إصبعاً وقطعةً قطعةً حتى ما وصل اليمن إلا وهو كفرخ الطائر، ولما وصل صنعاء أخذ المرض ينخر قلبه حتى مات وهو كالعصفور.
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل:١] ألم تر قوة الله وعظمته؟
ألم تر يا محمد! ويا كل مكلف مسلم! ماذا فعل الله بالأعداء؟ كيف دمرهم وقطع دابرهم؟
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل:١] ولم يقل: أصحاب أبرهة، فـ أبرهة حقير لا يذكر في مثل هذه المواطن، إنما جعلوا رئيسهم الفيل فهو صاحبهم وقائدهم، وقد ضل من كان قائده فيله وحماره وثوره؟ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} [الفيل:١ - ٢] في تباب وضلال وخسار {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل:٤ - ٥].
هذه قصة من قصص التاريخ التي أثبتها القرآن وذكر الله بها المسلمين وأهل الجزيرة، وكأن الله يقول لهم:" الله هو الذي بنى لكم البيت، ورد عنكم المستعمر، وقتل الأجنبي الكافر، فلماذا لا تعبدونه؟! ولماذا لا توحدونه؟! ولماذا لا تشكرونه؟!
فيا أهل البيت العتيق! ويا خدمة بيوت الله! ويا من عاش في مهبط الوحي! ويا جيرة بيت الله! اتقوا الله في أنفسكم، واذكروا نعم الله عليكم ولا تخافوا على هذه المقدسات فالله يحميها، لكن احموا أنفسكم بالطاعة، ووحدوا الله واشكروه فلا خوف على بيوت الله، فإنه يحميها، لكن الخوف عليكم أنتم من معاصيكم وتعديكم لحدود الله، واقترافكم لمحرمات الله.
أسأل الله لي ولكم الهداية والثبات، والرشد والسداد، والتوفيق والعون.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.