[الفائدة السابعة: الولاء والبراء]
الولاء والبراء، الحب في الله والبغض في الله، أتى هذا مما فعله المهاجرون والأنصار مع كعب، فإنهم لما رأوه جَانَبَ الصواب وأتى بهذه المعصية؛ بغضوه في الله عز وجل، وكان بغضهم لله عز وجل، فتركوا السلام عليه، والزيارة له والمواصلة، من أجله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال عليه الصلاة والسلام: {من أبغض لله، وأحب لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان} والحديث عند أبي داود بسند صحيح.
وهذه هي أركان الولاية، وهي من أعظم القضايا التي تحدث عنها شيخ الإسلام، مسألة الولاء والبراء، وهي على درجات، فلا يصح للمسلم أن يكون الناس عنده سواء، الفاجر والبار، والمصلي والتارك للصلاة، وبار الوالدين وعاق الوالدين، وواصل الرحم وقاطع الرحم، والله عز وجل ما جعلهم سواء، قال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:٣٥ - ٣٦] في أي العقول، وفي أي الشرائع والأسس والقيم يكون هذا الصالح كالطالح؟!
إذا فعلت الأمة هكذا انهارت القيم، وضاعت التعاليم السماوية والشرعية، وأصبح صاحب الخير مضطهداً، إذا كان يجهد جهداً وليس له قيمة، وقيمة الفاجر أكبر منه، بل يبلغ في بعض الأماكن أن يقدم الفاجر على المؤمن لأسباب إضافية أو لمكانته ولثروته، فإذا أصبحت الأمة في هذا المستوى فقل عليها السلام.
تجد بعض الناس من أولياء الله، لكن لفقره وعوزه وقلة نصرته، وضعف مقدراته ينتهي، ليس عنده إلا التراب، ولا يقدر من احترام أحد، وهذا -بارك الله فيكم- من أعظم المصائب.
فلابد من أصل الولاء والبراء، ذكر الغزالي في الإحياء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: [[والذي لا إله إلا هو، لو صمت النهار لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه، وأنفقت أموالي غلقاً غلقاً في سبيل الله، ثم لقيت الله لا أحب أهل الطاعة، ولا أكره أهل المعصية لخشيت أن يكبني الله على وجهي في النار]] نعوذ بالله من النار، القلب الذي لا يحب في الله ولا يبغض في الله قلب فاجر، حتى بعض الناس تحبهم من النظر إليهم والشافعي قد أسس في هذا أبيات، وهي أبيات تربوية للدعوة وللدعاة، يقول:
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
الشافعي يقول بأنه ليس من الصالحين، وإذا لم يكن الشافعي من الصالحين فمن نحن معهم؟
الشافعي الذي كان يقوم الليل في المسجد من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر ويبكي حتى يسقط مغشياً عليه، الشافعي الذي أثبت عنه أهل العلم، كأهل التراجم والذهبي في ترجمته: أنه قرأ القرآن في رمضان ستين مرة، في الليل وفي النهار مرة، بغض النظر عن سينية هذا، الشافعي الذي نسأل الله حبه يقول:
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
يقول: من حسناتي، والتي أرجو الله أن أتقدم بها، أني أحب الصالحين، ولو أني لم أكن منهم، لأني مذنب مقصر، لعلي أن أنال بهم شفاعة عند الله.
وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة
يقول كل عاصي في قلبي أكرهه؛ لأنه يعصي الله، يتعدى حدود الله وينتهك محارم الله، فلذلك يثور قلبي عليه، وهذا من الحسنات، فإن بعض الناس ولو كان مقصراً، لكن من توفيق الله له أنه يكره المعاصي، ويكره الفجرة، لكن بعض الناس يبلغ من عناده وفجوره وخبثه؛ أن يحب الفجرة والعصاة.
وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة
ثم يقول:
تعمدني بنصحك بانفراد وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة
يقول: إذا أردت أن تنصحني وأنا مذنب فخذني وحدي، وأَسِر إلي بالخطأ، لا تأتي يوم الجمعة وتقول: فلان ابن فلان، الذي يسكن في حارة كذا ورقم تلفونه كذا، فعل وفعل.
فهذه فضيحة وليست نصيحة، وهذه تنفر القلوب، ولذلك بعض الناس يتخذ أسلوباً في المجالس، يقول: يا فلان! الله يهدي أبناءك، إنهم فعلوا وفعلوا الواجب عليك أن تنصحهم، هذا فضحهم أمام الناس.
يقول الشافعي:
تعمدني بنصحك بانفراد وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة
ولذلك أرسلت هذه القصيدة للإمام أحمد بن حنبل وهو في السجن، قيل: في السجن وقيل في غيره، ويظهر أنه لم يكن في السجن، فكتب إليه الإمام أحمد:
تحب الصالحين وأنت منهم ومنكم قد تناولنا الشفاعة
الشافعي من أُسرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الشافعي ينتمي إلى جد الرسول صلى الله عليه وسلم الخامس أو السادس.
فيقول:
الشفاعة تأتي من بيتكم، لا تأتي من بيت آخر، هذا هو المقصود.
رسالة:
بعض الإخوة يذكر ويقول أني ذكرت كعب بن زهير في القصة لـ كعب بن مالك، وأنا أوردت هذه القصة عمداً؛ لشدة قوله صلى الله عليه وسلم وتأثيره في الناس.
أحد الإخوة قبل أن نستكمل الفوائد يذكرنا وإياكم بفضل صيام يوم عاشوراء، وهو صوم اليوم العاشر من هذا الشهر، نسأل الله أن يعيننا وإياكم على صيامه، والسنة صيام يوم قبله أو يوم بعده وسئل عنه صلى الله عليه وسلم، فقال: {إني لأحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية} فلما قدم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رأى اليهود يصومونه، قال: {لماذا تصومونه؟ قالوا: هذا يوم نجا الله فيه موسى عليه السلام، قال: نحن أولى بموسى منكم} فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بصيامه، وندب صلى الله عليه وسلم أن يصام يوماً قبله ويوماً بعده، وهو على ثلاثة أقوال:
١ - إما أن تصوم اليوم التاسع والعاشر والحادي عشر.
يوماً قبله واليوم هو ويوماً بعده.
٢ - وإما أن تصوم يوم عاشوراء ويوماً قبله.
٣ - وإما أن تصوم يوم عاشوراء ويوماً بعده.
وهذا من أحسن ما يكون، ولكن بعض أهل العلم يقول: يجوز إفراده، لكن الأحسن والأولى والأفضل -ولو أنه يجوز إفراده- لمن عنده مشقة، أو امرأة حامل لا تستطيع الصوم صيام يوم قبله أو يوم بعده.