ومن مميزات هذه المدرسة: أنها تؤمن بالشمولية في حياة العبد؛ الروح والفكر، ذهب الفلاسفة إلى الفكر -فقط- فقست قلوبهم، وذهب الصوفي إلى الروح -فقط- فجهلت عقولهم، وذهب أهل السنة والجماعة إلى الفكر وإلى الروح فاكتمل عندهم:{فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[البقرة:٢١٣].
وقد ذكر الله الفكر والذكر في آية واحدة، والفكر تفرد به الفلاسفة ففكروا في غير النصوص، والذكر تفرد به الصوفية فذكروا الله بغير الذكر الشرعي، فأخبر الله في القرآن بالفكر الشرعي لـ أهل السنة والجماعة وبالذكر الشرعي لـ أهل السنة والجماعة فقال:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[آل عمران:١٩٠ - ١٩١].
ومن معالم هذه المدرسة: أنها تقول الحق لا تخشى في الله لومة لائم، قال تعالى:{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ}[الأحزاب:٣٩] فهي تبلغ بقوة؛ لأنها تحمل الميثاق ولا ترهب إلا من الله، ولا يجمع أهل السنة والجماعة على السكوت على منكر أو باطل فقد عصمهم الله، كما سوف يأتي ذكر ذلك؛ لكن المقصد أنهم يحملون ميثاقاً ويبلغونه الناس {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}[آل عمران:١٨٧]{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة:١٥٩ - ١٦٠] فـ أهل السنة والجماعة يبينون، وانظر إلى أعظم البيان فيما فعله الإمام أحمد في فتنة القول بخلق القرآن، قامت الدولة والجيش والسلطة والعامة في كفة وقام أحمد بن حنبل في كفة وحده:
كأنه وهو فرد من جلالته في موكب حين تلقاه وفي حشم
واستمر يدافع ويبين الحجة حتى نصره الله.
وهذا ابن تيمية قامت المحسوبية والكيان الموجود في عصره في كفة؛ فقام وحده يعارض في كفة أخرى، وتعرض للحبس والجلد، وتعرض لأنواع الإساءة والإدانة ومع ذلك ثبت منهجه، وكلكم يسمع بـ ابن تيمية ويعرف كتبه، ولكن الذين عذبوا ابن تيمية وسجنوه وآذوه، لا نعرف أسماءهم وليس لهم عندنا مكانة، قال تعالى:{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}[الرعد:١٧].