للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الراجح أن المرض كفارة ولا يرفع الدرجات]

القضية الثالثة:

الذي يعلم عند الجمهور أن المرض كفارة وليس رفعاً للدرجات واستدلوا على ذلك بأحاديث وآيات منها هذه الآية: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء:١٢٣] ولم يقل يرفع درجته ويثاب، ومنها الحديث الصحيح: {ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها من خطاياه حتى الشوكة} والحديث الصحيح الآخر: {ما يصيب المسلم من هم ولا غم ولا وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه} والحديث الثالث الصحيح: {يا أبا بكر! ألست تمرض وتهتم وتغتم فإن ذلك كفارة} إذاً: هذا الراجح إن شاء الله.

قيل لـ أبي عبيدة وهو مريض: هنيئاً لك رفع الدرجات -هذا في مسند أبي يعلى - قال: لا والله، لكنه حط للسيئات.

فيظهر والله أعلم وهو الراجح أن من أصابه مرض فقد حط الله عنه سيئاته بحسب هذا المرض، ولذلك فرح الصالحون بالمرض.

قال أبو الدرداء: أحب ثلاثاً يكرهها الناس: أحب الفقر؛ لأن فيه مسكنة لربي، وأحب المرض؛ لأن فيه كفارة لخطيئتي، وأحب الموت؛ لأن فيه لقاء لربي.

وفي الحديث الصحيح: {من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه} اتفق الشيخان على إخراجه.

قال حافظ الحكمي رحمه الله في منظومته البديعة الرائعة:

ومن لقاء الله قد أحبا كان له الله أشد حبا

وعكسه الكاره فالله اسأل رحمته فضلاً ولا تتكل

والموت فاذكره وما وراءه فمنه ما لأحد براءه

وإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال فلا يشتبه

والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران

إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده

وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها}.

وورد عن أبي بكر عند الترمذي رفعه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام: {كل شيء يصاب به العبد فهو كفارة} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ومن كلام أبي بكر عند بعض المحدثين: [[حتى الحاجة يضعها أحدكم تحت إبطه فيفقدها فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون]].

والمصيبة إذا أتت من مرض أو غيره فعلينا فيها ثلاث واجبات:

الأول: أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:١٥٦ - ١٥٧].

الثاني: أن نحتسبها في ميزان الكفارة عند الله عز وجل.

الثالث: أن نحمد الله عز وجل على أنه لم يجعلها في ديننا ومعتقدنا وجعلها في أبداننا ومالنا:

إذا أبقت الدنيا على المرء دينه فما فاته فيها فليس بضائر

فما رضي الدنيا ثواباً لمؤمن وما رضي الدنيا عقاباً لكافر

كل شيء إلا الدين والمعتقد، فإذا كنت تفقر وتمرض ويموت أبناؤك ويهدم بيتك وتسحق سحقاً وتمزق ويفصل أعضاؤك، لكن قلبك فيه لا إله إلا الله وأنت تحب الله ورسوله فلا والله ما فاتك شيء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>