للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما توجبه الشريعة]

ومن خصائص أهل السنة والجماعة: أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة، ويرون إقامة الجهاد في سبيل الله، وبذل الدعوة للناس، والاحتساب في سبيله، وبيع الجماجم، وهي جمع جمجمة، ويرون أن قطع الجمجمة في سبيل الله من أحسن ما يكون، ويرون كما قال فديوي الوهباني:

دوس المخاطر ولا تخشى عواقبها الموت واحد وانعم بالخطر جالي

وهذه من أسهل ما يكون، وأن قطعها في سبيل الله أحسن الأمنيات.

ويرون كما دخل ابن التمار على المأمون فقال المأمون: والله لأقطعن رأسك، فقطع ابن التمار زراره ورماه في وجه المأمون وقال: والله الذي لا إله إلا هو! إن قطع رأسي أهون عندي من قطع هذا الزرار.

ويروون أن ابن نوح لما دخل على أحد الخلفاء فقال له: والله لأشرعن في دمك -يعني: أسبح- قال: والله ما صليت الفجر اليوم إلا وتمنيت أنَّ الله يرزقني الشهادة على يديك.

ويرون أن من أحسن ما يكون للعبد هو الموت في سبيل الله، وأنه ألذ المطالب، وأحسن وأسهل وأهنأ من الماء البارد، وأن أحدهم إذا صلى قال: اللهم ارزقني الشهادة! حتى إن بعض السلف الصالح كانوا يأتون إلى بيوت بعض السلاطين ويأمرون وينهون من باب: [[قل الحق ولو كان مراً]] فلا يخافون ولا يجبنون، وأهل السنة والجماعة أشجع من أهل الأراضي، والعمارات، وأشجع من أهل الشعير، وأهل الضأن، وأهل الفحم الذين يتضاربون بالمشاعيب وبالهراوي والفئوس على فحمهم وشعيرهم، فهؤلاء إذا قطعت رءوسهم لا تقطع على الأراضي ولا على البطحاء، بل تقطع من أجل (لا إله إلا الله محمد رسول الله).

وان دندن الطبل في الحراب دندنا بآيات حقٍ علي وبلال دندنها

وهذا البيت من عقيدة أهل السنة، لكن لا تظنوه من البخاري أو مسلم فهذا بيت شعري.

فقد رأيتم أنهم يأمرون وينهون ولا يخافون في الله لومة لائم، ويبلغون دين الله كما قال سبحانه: {وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب:٣٩] فإذا خوفهم مخوف، قالوا: هوِّن عليك! معنا القوي وأنتم ضعاف، ومعنا الغني وأنتم فقراء! ومعنا الباقي وأنتم فانون: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:٣٦].

وهذا كلام الله سبحانه ومن الذين دونه؟ هم كل من سواه، ويعلمهم الله، ويقول: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً} [آل عمران:١٧٣] يقول: زادهم إيماناً وقوة: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:١٧٣ - ١٧٤] والله يقول في أوليائه وأعدائه: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:٧٩ - ٨٠] ويقول سبحانه عن قدرته وقدرة البشر: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:٢١] ويقول عن دسائس البشر وعن مكره جزاء مكرهم: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:٣٠] ويقول سبحانه وتعالى عن حزبه وحزب أعدائه: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:٥١ - ٥٢].

وأهل السنة والجماعة أشجع من الثوريين العرب، وأشجع من الناصريين، والبعثيين، والاشتراكيين، والماركسيين بدرجات، بل الواحد منهم يسيل دمه قبل أن يلقى الهوج، شجاعة وإقداماً.

أحد الصحابة في أحد سمع الهاتف، فاخترط سلة السيف، وأخرجه من الغمد، وقال:

وليس على الأعقاب تُدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما

تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما

ثم رمى بنفسه وقتل.

وكان صلى الله عليه وسلم يشهد العاصفة بنفسه ويخوض المعركة، وهناك فيلم أوروبي اسمه بدر الكبرى وفيه قال: واضطر محمد أن يخوض المعركة بنفسه بعد أن اشتدت العاصفة، وكان صلى الله عليه وسلم يدير المعركة قبل نشوبها، لكن إذا اختلطت وسمع صرير السيوف والرماح، طمر بنفسه وسط الهول، حتى يقول علي رضي الله عنه: {كنا نتقي بالرسول صلى الله عليه وسلم إذا اشتد بنا البأس فيكون أقربنا من القوم}.

أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة أدبت في هول الردى أبطالها

وإذا وعدت وفيت فيما قلته لا من يكذب فعلها أقوالها

ومثل هذه القصيدة، قصيدة اسمها (الشجاعة لمحمد صلى الله عليه وسلم) ألفها السبط ابن الجوزي يمدح فيها النبي صلى الله عليه وسلم، واسمع مطلعها ما أحسنه يقول:

قد زلزلت دنيا الهوى زلزالها وقال سلطان الغرام مالها

هذه دنيا من؟ دنيا محمد صلى الله عليه وسلم.

فالرسول صلى الله عليه وسلم علَّم الناس أن يبيعوا أنفسهم من الله، أي: لا تبع نفسك بغير الجنة.

يقولون: أخذ ابن المبارك تلميذاً له، قال: أوصني؟ فقال لتلميذه: لا تبع نفسك بغير الجنة.

والجنة أن تموت في سبيل الله، وأن يرزقك الله الشهادة في أي مكان، ولا تخف من أحد؛ فإن نواصي العباد بيده سبحانه وتعالى، لا يضر ولا ينفع إلا هو كما قال صلى الله عليه وسلم: {ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك إلا بشيء لم يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}.

يقول بعض الفضلاء في معنى: رفعت الأقلام وجفت الصحف، يقول: رفعت الأقلام بالقتلى، من يموت قتيلاً ومن يموت ميتاً، ووضعت الأقلام من يموت حبطاً تخمة من الدهون في غرفة الباطنية، فهؤلاء رفعت فيهم الأقلام، والذين يموتون في سبيل الله رفعت فيهم الأقلام، والذين يتقاتلون على أكياس الشعير رفعت فيهم الأقلام، والذي يقتل ابن عمه على قطعة الأرض رفعت فيه الأقلام، ويجتمع سيد الشهداء حمزة يوم القيامة المقتول على كيس شعير لا يساوي سبعة عشر ريالاً!! يوم العرض الأكبر، وهذا قتل وهذا قتل؛ لكن ذاك قتل وهو سيد الشهداء وأسد الله في أرضه، وذاك لا يساوي فلساً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>