للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[خوف عمر بن عبد العزيز من ربه]

يقول ابن كثير في البداية: صلّى عمر بن عبد العزيز رحمه الله صلاة العيد بالناس - عمر بن عبد العزيز زاهد من الزّهاد, تولى أمر الأمة الإسلامية على رأس المائة, فكان مجدداً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم, فلما انتهت الصلاة ذهب إلى بيته فاستعرضه الناس وأتوا بالموكب، فقال: باعدوه عني فما أنا إلا رجل من المسلمين, فلما مرّ بالمقبرة التفت إليها، وقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، ثم قال: آلله كم في هذه القبور من خد أسيل وطرف كحيل!

ثم قال للناس والوزراء والأمراء حوله وهو ينظر إليهم: ما كأنهم أكلوا مع من أكل, وما كأنهم شربوا مع من شرب, وما كأنهم استأنسوا بالدور ولا عمروا القصور, ثم رفع صوته وقال للمقابر: يا موت! ماذا فعلت بالأحباب؟ يا موت! ماذا فعلت بالأصحاب؟ فجاوب نفسه بنفسه، وقال: أتدرون ماذا يقول الموت؟ قالوا: لا.

-هو يقصد بهذا الكلام مدرسة لهم حتى لا ينسوا هذا الدرس أبداً- قال: يقول: ذرفت بالعينين، وأكلت الحدقتين، وفصلت الكفين عن الساعدين, والساعدين عن العضدين, والعضدين عن الكتفين, وفصلت القدمين عن الساقين, والساقين عن الركبتين, ثم بكى حتى غشي عليه, هذا الرجل العظيم الذي خاف الله وموعود الله فأكرمه الله أن جعله من السعداء في الدنيا وفي الآخرة إن شاء الله, فما يذكر إلا ترحم عليه.

ولذلك لما حضرته الوفاة يوم عيد الفطر خرج الناس يلبسون الجديد يوم عيد الفطر إلا هو, فقالوا: ما لك؟ قال: أرى أن مصرعي اليوم وأني ألتقي بربي اليوم, فلما دخلت عليه زوجته والناس يصلون العيد, قالت: ماذا ترى؟ قال: اخرجي من البيت! فإني أرى ملأً ونفراً ليسوا بجن ولا إنس, قال أهل العلم: هم ملائكة, فخرجت، فلما قبضت روحه رحمه الله، قال أهل السير والتاريخ في ترجمته: سقطت على المصلين صحيفة من السماء مكتوب فيها: براءة لـ عمر بن عبد العزيز من النار؛ لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إذا علم من العبد أنه يخافه يؤمنه المخاوف سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

ولذلك قال أهل العلم: إذا خفت من الله خوَّف الله منك كل شيء, وإذا خفت من غيره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أخافك من كل شيء، ولذلك أذل الناس وأخوفهم وأخنعهم وأهزمهم وأفشلهم من لا يخاف من الله, ولو رأيته جباراً عنيداً فاعلم أن الله أذهب الهيبة من قلبه.

ولذلك يتحدث شيخ الإسلام ابن تيمية عن الخوف, ما هو الخوف المطلوب؟

قال: ما حجزك عن المعاصي فهو الخوف المطلوب.

أما ما زاد على ذلك فلا يطلب في الإسلام, فالذي يردك عن معاصي الله تبارك وتعالى فهذا هو الخوف الذي يطلب منك لتكون خائفاً منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, وصحابة الرسول عليه الصلاة والسلام إنما امتازوا علينا بمخافتهم من الحي القيوم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>