كذلك ينبغي على الداعية أن يتدرج في دعوته، فيبدأ بكبار المسائل قبل صغارها، فلا يقحم المسائل إقحاماً، فإنني أعلم أن بعض الناس من المقصرين من أمثالي، يذهبون إلى نواحٍ في البادية في بعض القرى أو في تهامة، فيريد أن يصب لهم الإسلام في خطبة جمعة واحدة، وما هكذا تعرض المسائل! عليك أن تأخذ مسألة واحدة تعرضها لهم، وتدرسها معهم، كمسألة التوحيد، أو مسألة المحافظة على الصلوات، أو مسألة الحجاب، أما أن تذكر لهم في خطبة أو درسٍ أو موعظة، التوحيد والشرك والسحر، والحجاب والمحافظة على الصلوات وحق الجار، فإنهم لا يمكن أن يحفظوا شيئاً:
أوردها سعدٌ وسعدٌ مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل
إنما تورد ناقةً ناقة، وهاهو الرسول صلى الله عليه وسلم يرسل معاذاً إلى اليمن فيقول:{ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة} هكذا يعرض الداعية كبار المسائل قبل صغارها، فلا تأتي إلى أناس قد لا يصلون وتطالبهم بتربية اللحى، وماذا ينفعنا في الإسلام أن يربي الناس لحاهم وهم لا يصلون في بيوت الله؟ وماذا ينفعنا أن يربوا لحاهم والواحد منهم لا يسجد لله سجدة؟ فلا تطالبهم بصغار المسائل حتى تخرج أنت وإياهم على مسائل كبرى وتتفقون على قدر مشترك؛ لتعلم هل هم معك أو لا؟
ومنها: أن يجدد الأساليب على الناس، مرةً بالموعظة ومرةً بالخطبة، ومرةً بالرسالة، ومرةً بالندوة ومرةً بالأمسية، حتى يسلك كافة السبل، فإن بعض الناس يتأثر من خطبة الجمعة ما لا يتأثر بالدرس، وبعضهم على العكس من ذلك، فتفنن في أساليب دعوتك للمدعو ونوع فيها فأحياناً يكتب له رسالة، وأحياناً يتصل به بالهاتف، وأحياناً يرسل له بعض الدعاة، فأرى أن تجديد الأسلوب مطلوب وفي عصرٍ جُددت فيه أساليب الباطل، في عصرٍ أخذ الباطل كل الإمكانيات، فالأقمار الصناعية في يد الباطل، والوسائل الهائلة في يد المبطلين، ومعظم الإمكانيات الضخمة، مع العلم أن الدعاة لا يملكون شيئاً من هذه الوسائل، يملكون المنبر، ويملكون الدرس، ويملكون الكتيب، لكن أسأل الواحد الأحد الذي بيده كل شيء أن يتمم الأمور، وأن ينفع بالأسباب، والله يقول عن أهل الباطل ويخبر أنهم أكثر مالاً، وأكثر إنفاقاً، وأكثر وسائل قال:{فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}[الأنفال:٣٦] وعليه فلا ييأس الداعية من قلة وسائله، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت ثقافات العالم حوله في جزيرة العرب هائلة، إمبراطورية كسرى، وإمبراطورية قيصر، تملك الميزانيات الضخمة، ومع ذلك كان صلى الله عليه وسلم في بيت طين، ولكن بوسائله مع الإخلاص والصدق، بلغه الله ما تمنى، وبلغ الدين مشارق الأرض ومغاربها.