يقول أحد المؤرخين: مر أحد الصالحين فوجد عصفوراً يأتي إلى مزبلة فينقل منها اللحم والخبز ويذهب إلى رأس نخلة، والعصفور لا يعشعش في النخل، يعشعش في الشجر القصير، قال: فارتقيت إلى رأس النخلة فرأيت حية عمياء، فإذا أتى العصفور واقترب باللحم والخبز وصوص بصوته ففتحت فمها فألقى اللحم والخبز لها، من الذي سخر العصفور أن ينقل اللحم إلى هذه الحية في النخلة؟ قالوا: هناك ثلاث قضايا:
أولاً: العصفور ليس من جنس الثعابين والحيات، فهو عدوها وهي عدوته؛ لكن سخره الله لها.
الثاني: جعل الله الحية في رأس النخلة حتى لا تقتل في الأرض.
الثالث: إذا اقترب وصوص لها ففتحت فمها، فأعطاها رزقها قال تعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ}[الأنعام:٥٩] انظر الاستثناء بالجزم والقطع (إِلَّا هُوَ) بالضمير، تحدٍ للعالم:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[الأنعام:٥٩] فسبحان من أعطى! وسبحان من هدى! وسبحان من خلق!
{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا}[هود:٦] لا يعلم المستقر والمستودع إلا الله، يقول بعض المفسرين: المستقر هو: مكان البيتوته، لأن للنملة مكاناً للنوم، ومكاناً للطعام، فيقول الله عن المستودع هذا:: {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا}[هود:٦] قالوا: المكان الذي تأكل فيه، والمكان الذي تنام فيه، وكذلك النحل وكل الحيوانات؛ لأنها ممالك، {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء}[الأنعام:٣٨].