للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الدعاء في جوف الليل]

ينادي الله عز وجل المتحابين يوم العرض الأكبر كما في صحيح مسلم فيقول: {أين المتحابون في جلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي} نسبي بيني وبينكم هذا الحب وهذا المسجد، وقصة الحب معكم انطلقت من قبل خمس سنوات، وابتدأت من مسجد أبي بكر الصديق، فلنا من الصديق نسب، ولنا من مساء هذا اليوم نسب، ولنا مما يتلى هنا -قال الله وقال رسوله- نسب.

ولو أنه نور فريد عذرته ولكنه نور وثانٍ وثالثُ

فعسى الله أن يجمع بيننا وبينكم بالنسب الخالد في مقعد صدق عند مليك مقتدر {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:٦٧].

قال ابن القيم مخاطباً أمثالَكم؛ لأنه كان عنده بررة في القرن السابع من أمثالكم، وكل قرن يفخر ببررته، وأنتم من بررة وصفوة هذا القرن، قال في أحبابه:

وكنت إذا ما اشتد بي الشوق والجوى وكادت عُرى الصبر الجميل تَفَصَّمُ

أعلِّل نفسي بالتلاقي وقربِه وأوهِمُها لكنها تتوهمُ

إلى آخر ما قال.

فيا أيها الأحباب: أسأل الله أن يزيد هذا الحب، وأن ينميه ويعمقه وأن يبارك فيه، وأن ينفعنا به وإياكم، فإنني ما اخترتُ هذا إلا لأنكم أنتم الذين تملكون هذا السلاح، وهو سلاح فتاك لكنه معطل، وهو قوة كبرى -دعاء الليل- وهو يوجد عندكم ولا يوجد عند غيركم؛ فإن الكيانات قد تملك صواريخ أسكود، والكيماوي، والطائرات، والمدمرات، والزواحف؛ ولكنها لا تملك هذا السلاح المعطل الذي لا يوجد إلا عندكم، لأنكم أنتم صفوة المجتمعات، وإذا صفَّى المجتمع أصحابه وأخياره ومفكريه وطلبة العلم كنتم أنتم الصفوة المثمرة النافعة التي تملك سهام الليل.

لماذا الليل؟

لأن الليل له طعم خاص، وله أثر في العبادة، فهو:

أولاً: أبعد عن الرياء والسمعة.

ثانياً: أهدأ للنفس.

ثالثاً: يكون الإنسان به أقرب من رب العالمين.

ولقد صور الشعراء الليل مع الله عز وجل بصور، ومنهم: ابن القيم، يمدح أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام فيقول فيهم:

بالليل رهبان وعند لقائهم لعدوهم من أشجع الأبطال

وقال آخر في أصحاب الرسول - عليه الصلاة والسلام -:

عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراهُ

وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياهُ

يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناهُ

ولن تعود لنا أفغانستان سليمة ولا الأندلس ولا فلسطين إلا إذا قمنا الثلث الأخير، ولن ينتشر هذا الخير، ولن تعود الأمة إلى التوحيد، إلا إذا جلسنا جلسة راضية في الثلث الأخير مع الله.

قلتُ لليل هل بجوفك سرٌ عامرٌ بالحديث والأسرارِ

قال لم ألقَ في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحارِ

<<  <  ج:
ص:  >  >>