للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[معركة أحد]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

صلى الله على النعمة المهداة، والعطية المسداة، أفصح من نطق بالضاد، ورفع علم العباد.

صلى الله على باني دولة الإسلام، وهادم دولة الأصنام، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أمَّا بَعْد:

فإننا في هذا الدرس سوف نعرض بإذن الله موقعة أحد، حيث المهُج التي سافرت إلى الله، والأرواح التي هاجرت إلى الحي القيوم، حيث المواقف الخالدة التي لا تنسى أبد الدهر، حيث البيعة المجيدة التي بايع فيها المهاجرون والأنصار ربهم تبارك وتعالى، فما نكصوا وما تأخروا، ويشترك القرآن مع الحديث النبوي في هذه الموقعة لينتقل القرآن بنا إلى معركة أحد، يصور لنا المعركة والقتل في سبيل الله والشهادة والثبات، ثم ثمرة النصر أو الهزيمة.

ولنكن ونستمع إلى الإمام البخاري وهو يصل إلى كتاب الغزوات، ويواصل مسيره في نقل الأحداث بأسانيد كنجوم السماء.

من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري

يقول رحمه الله تعالى في كتاب المغازي: باب غزوة أحد، ثم ساق بسنده إلى البراء بن عازب رضي الله عنه وأرضاه قال: {لما حضرنا معركة أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر على الرماة رجلاً من أصحابه -اسمه عبد الله- قال: فلما بدأنا المعركة فر المشركون، حتى إني لأرى خدم سوق نسائهم يصعدن في الجبل، قال: فلما رأى الرماة هذا الفرار؛ نزلوا إلى الغنائم، وقد خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فكانت الهزيمة، فالتجأنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدناه جالساً ومعه أبو بكر وعمر، وإذا بـ أبي سفيان ينادي: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلم يجبه أحد، فقال: أين أبو بكر؟ فلم يجبه أحد، فقال: أين عمر؟ فلم يجبه أحد، قال: أما هؤلاء فقد كفيتموهم -أو فقدتموهم كما في بعض الروايات- فقام عمر لما آنس هذه الغضبة لله عز وجل في نفسه فقال: لا والله لقد أبقى لك الله ما يسوءك يا عدو الله، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أبو بكر، وأنا عمر، فقال أبو سفيان: اعل هبل -وهبل صنم لهم يعبدونه من دون الله- فقال عليه الصلاة والسلام: ردوا عليه، فقالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل.

فقال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم -يعني هناك صنم آخر اسمه العزى وليس لكم عزى- فقال صلى الله عليه وسلم: ردوا عليه، قالوا: وماذا نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم فقالوها، فقال أبو سفيان: يوم بيوم والحرب سجال، فقال صلى الله عليه وسلم -أو قال بعض أصحابه-: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار} أو كما قال البراء والله أعلم.

والقرآن ينتقل بنا في سورة آل عمران من الآية العشرين والمائة إلى قبل أواخر السورة ليعرض لنا تلك المشاهد الحية، ومعركة أحد تصل إلى روح المؤمن وتلامس قلبه، وتحدث شغاف روحه، وهي معركة حية في ضمير الأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وفيها صور عجيبة، ومن يقرأ أواخر سورة آل عمران بتدبر؛ يجد العجب العجاب.

يقول الله عز وجل وهو يتحدث عن تلك الأحداث والوقائع للرسول عليه الصلاة والسلام: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:١٢١ - ١٢٢] ثم يقول جل ذكره: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ * لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران:١٢٣ - ١٢٨] وهذه ست آيات من أربعين آية أو ما يقارب الخمسين تتحدث عن معركة أحد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>