[التوحيد هو أول ما يدعى إليه]
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوات والأرض، جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله بالتوحيد، فهدى به الله البشرية، وأنار به أفكار الإنسانية، وزلزل به كيان الوثنية، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد:
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
سلام الله عليكم سلاماً لا ينقطع إلا بانقطاع دمع العين، ولا ينتهي إلا بانتهاء النفس بعد شكر الله، أشكركم شكراً جزيلاً، لأنكم أهل الأصالة والطموح، أما الأصالة، فإن منطقتكم وبلادكم هذه كانت وما زالت مصدر إشعاع، وهي رصيد للإسلام، وهي قوة لهذا التوحيد الذي بعث به محمد عليه الصلاة والسلام، أنتم الذين كنتم ولا زلتم ترسلون الدعاة للدنيا ليعلموا الناس ويفقهوهم ويخرجوهم من الظلمات إلى النور، فهي أصالة عريقة، ولا غرو أن ينشأ الابن على ما نشأ عليه أبوه.
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه وتغرس إلا في مغارسها النخل
وأما طموحكم فحضوركم هذا ينبئ عن غيرة لدين الله، وحب لـ" لا إله إلا الله " واتباع لرسول الله عليه الصلاة والسلام.
أهل الفن يجتمعون على فنهم، وأهل الطرب يجتمعون على طربهم، وأهل اللغو واللهو يجتمعون على لغوهم ولهوهم، وأنتم جئتم هنا لتقولوا: البقاء لـ" لا إله إلا الله " والعزة لـ" لا إله إلا الله " والأصالة والطموح لـ" لا إله إلا الله " وأشكر كل من ساهم في إحياء هذا اللقاء المليء بالآباء وبالإخوة والمحبين, وعنوان هذه المحاضرة "التوحيد أولاً".
قبل أن نبدأ في أمورنا، وأعمالنا وعباداتنا ومعاملاتنا، التوحيد أولاً.
قبل أن نتكلم مع الناس، ونفقه الناس، التوحيد أولاً.
منهج الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام هو التوحيد، كل نبي وكل رسول يقول: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٥٩]
بعث محمد عليه الصلاة والسلام من الأرض الجرداء المرداء السوداء، فقال الله له: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:٩] فقبل أن تدعو الناس، اعلم أنه لا إله إلا الله، وقبل أن تفهم الناس، وتجاهد وتأدب الناس، فاعلم أن لا إله إلا الله.
وعند أحمد في كتاب الزهد بسند جيد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {يقول الله تبارك وتعالى: عجباً لك يا ابن آدم، خلقتك وتعبد غيري، ورزقتك وتشكر سواي، أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقير إلي، خيري إليك نازل، وشرك إلي صاعد.
فلا إله إلا الله ما أضل الإنسان! وأجهله! وما أعمى الإنسان يوم يعرض عن توحيد الواحد الديان! يقول سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:٦٥ - ٦٦]
فالتوحيد أولاً إخلاصاً، واعتقاداً، وتوجهاً، وعملاً وحياةً قبل أن نبدأ في أمورنا، وقبل أن نتناول أعمالنا، هذه رسالتنا في الحياة.
وقد ورد عند الإمام أحمد في كتابه المسند في باب الإيمان بسند صحيح عن أبي بن كعب قال: {جاء المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: انسب لنا ربك، فأنزل الله عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:١ - ٤]}.