[أعرابيان يدللان على قدرة الباري]
لا تظنوا أن هذا الفكر الإيماني لا يحمله إلا العلماء، بل من بدونا وأعرابنا من يحمل عقيدة التوحيد وهو في الصحراء لا يعرف إلا شاته وتيسه وجمله، ولكن شاته وتيسه وجمله يدلانه على السميع البصير؟! بلى.
دخل علي بن الجهم على المتوكل وعلي بن الجهم عاش فترة البداوة، فكل المعالم التي معه في البادية تيس وكلب، ويظن أن أحداث العالم تتوقف على التيس والكلب، فأتى يمدح الخليفة يوم عيد الفطر، فقال:
أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب
فتح الله عليك، ما هذا اللموع؟ وما هذا الإشراق؟
فقام الوزراء ليطرحوه أرضاً ويضربوه ضرباً مبرحاً لا يحفظ بعده آية، لكن الخليفة كان ذكياً فقال: دعوه، هو عاش في بيئة لا يعرف فيها إلا الكلب والتيس، أنزلوه عند الرصافة والجمال والحياة فأنزلوه عند الماء وعند الزهر والورد وأنزلوه إلى الحدائق الغناء والبساتين الفيحاء فنزل وبعد سنة أتى وبدأ قصيدته كأنها إطلالة فجر، يقول:
عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
والنحلة أو البستان أو الحديقة هنا تدل كلها على الله، كما يدل التيس والجمل والشاة على الله.
مروا بأعرابي يصلي، ففال له أحد الملحدين: لمن تصلي؟ قال: لله، قال: هل رأيته؟ قال: سبحان الله! البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدل على السميع البصير.
ولا تظنوا كذلك أن من حمل العلم سوف يكون مؤمناً، لا فإن من الناس من يحمل علماً ومتوناً ونصوصاً ولكنه فاجر من الفجرة، منتظم في سند فرعون وفي متن إبليس، ولذلك إذا ذكر الله العلم جعله في معرض الإيمان قال: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ} [الروم:٥٦] لأن العلم بلا إيمان يساوي أتاتورك الملعون، فهو الذي أتى بـ العلمانية وفصل الحياة عن الإيمان.
والفيلسوف الكندي عالم ولكنه ملحد ذكي ولكنه ليس بزكي ظريف العبارة ولكنه ليس بشريف الأصالة والإشارة، أتى يعارض القرآن كفى بك خيبة يا عدو الله، وكفى بك لعنة وخسارة أن تعارض كتاب الله دخل بيته -كما ذكر المترجمون عنه- فأغلق الباب وفتح المصحف وقال لتلاميذه: انتظروني ساعة، سوف آتي بسورة أعظم من سور القرآن فدخل البيت وفتح المصحف فوقع نظره على قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة:١] فانبهت، {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:٢٥٨] فقال: عجيب!! نادى وأمر وبين واستثنى وفصل وختم في آية! فلما أراد أن يرفع يده وجد نصف جسمه قد شل، وأصبح يابساً جافاً، {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:١٦].
وهذا ابن الراوندي يتزندق مستهتراً، وهو عميل آخر عنده علم وفلسفة، وكم حسب على الإسلام من فيلسوف، يقولون: فيلسوف الإسلام! والإسلام لا يعترف بالفلسفة، الإسلام لم يأت بالفلسفة، فهذه كلمة لا صحة لها، ونحن في غنى عن ابن سيناء والفارابي، وعن أضرابهم وأمثالهم.
الإسلام يعترف بقال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، بالقرآن والسنة، بقال الله وحدثنا، أما فيلسوف الإسلام فلا
ابن الراوندي هذا ترجم له الذهبي فقال: الكلب المعثر، الذي ألف كتاب الدامغ على القرآن ليدمغ القرآن فدمغه الله، أخذه الله نكال الآخرة والأولى، وذهب، ولكنه ما ذهب عذابه من الله، هذا عذابه في الدنيا، وبعض الناس إذا ترجم لهؤلاء ينسى إلحادهم، وشكهم وريبتهم، كما يفعل بعض الكتاب والصحفيين، يأتي بزنديق ملحد عميل للصهيونية والشيوعية، ويمجده حتى يصبح بارزاً بين الناس، وهذا فحش وعار وشنار.
ابن خلكان ترجم لـ ابن الراوندي هذا فسكت وقلس عليه، قال ابن كثير: قلس وملس عليه كأن الكلب ما أكل له عجيناً.
لكن لما أتى الذهبي أوقف ابن الراوندي ولعنه وأوقفه عند حده.
ونحن اليوم بحاجة إلى دعاة يغرسون الإيمان في القلوب، فقبل تصحيح المعاصي لابد من غرس شجرة الإيمان لتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون.