للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مشهد لا ينسى]

يذكرون في سيرة الشيخ أنه لما ودع من الرياض ليذهب إلى منصبه الجديد في المدينة؛ قام أهل الرياض بعد صلاة العصر وألقوا كلمة واحتشدوا عليه وودعوه وبكوا بكاءً عظيماً، وقام الشيخ فودعهم، ولكن غلبه البكاء، وسمع بكاء الشيخ -كما ينقل المجذوب

ولما التقينا للوداع عشيةً سفكنا دموعاً واستثرنا مآقيا

وقفنا وفي العذال منا ملامةٌ وكنا نرى أن ليس بعد تلاقيا

فودعوه وبكوا عليه، ومن يعاشر الشيخ ويماشيه ويمكث معه فترة لا يطيق فراقه، وهذه هي ميزة المسلم الذي لا يؤذي، المتواضع المحب لا يستطاع فراقه، ولذلك كل من صحبه وجد فيه الخير، قال المجذوب: وكنت فيمن حضر وذكر تأثره وبكاءه، قال: وقلت بيتين بتلك المناسبة لما ودعوه في الجامع الكبير وبكوا وبكى الشيخ:

بكينا وفاءً لامرئٍ قل أن يُرى له في الدعاة العاملين نظير

فخلوا ملامي إن ألح بي البكا فإن فراق الصالحين عسير

والشيخ يُمدح من كثير من الناس، وقد مدحه كبار الناس وصغارهم وشعراؤهم وأدباؤهم وعلماؤهم، يقول تقي الدين الهلالي محدث المغرب -وقد توفي من سنوات رحمه الله- في قصيدة عامرة طويلة تقارب الستين بيتاً:

خليلي عوجا بي لنغتنم الأجرا على آل بازٍ إنهم بالثنا أحرى

وزهدك في الدنيا لو أن ابن أدهم رآه رأى فيه المشقة والعسرا

ولـ أبي هلالة الشاعر الكبير قصيدة هائلة مبدعة رنانة في سماحة الشيخ وللمجذوب قصيدة بديعة من أبياتها:

روى عنك أهل الفضل كل فضيلةٍ فقلنا حديث الحب ضربٌ من الوهم

فلما تلاقينا وجدناك فوق ما سمعنا به في العلم والأدب الجم

فلم أر بازاً قط من قبل شيخنا يصيد فلا يؤذي المصيد ولا يدمي

والباز هو الصقر، والشيخ اسمه ابن باز.

ولي فيه قصيدة تقارب خمسين بيتاً، من أبياتها:

قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي فقمت أنشد أشواقي وألطافي

لا أبتغي الأجر إلا من كريم عطا فهو الغفور لزلاتي وإسرافي

عفواً لك الله قد أحببت طلعتكم لأنها ذكرتني سير أسلافي

يا دمع حسبك بخلاً لا تجود لمن أجرى الدموع كمثل الوابل السافي

يا شيخ يكفيك أن الناس قد شغلوا بالمغريات وأنت الثابت الوافي

أغراهم المال والدنيا تجاذبهم ما بين منتعلٍ منهم ومن حافي

مجالس اللغو ذكراهم وروضتهم أكل اللحوم كأكل الأغطف العافي

وأنت جالست أهل العلم فانتظمت لك المعالي ولم تولع بإرجاف

بين الصحيحين تغدو في خمائلها كما غدا الطلُّ في إشراقه الضافي

تشفي بفتياك جهلاً مطبقاً وترى من دقة الفهم دراً غير أصداف

ومنها:

أراك كالضوء تجري في محاجرنا فلا تراك عيون الأغلف الجافي

كالشدو تملك أشواقي وتأسرها بنغمة الوحي من طه ومن قاف

ما أنصفتكَ القوافي وهي عاجزة وعذرها أنها في عصر أنصاف

يكفي محياك أن القلب يعمره من حبكم والدي أضعاف أضعافِ

يفديك من جعل الدنيا رسالته من كل أشكاله تفدى بآلاف

والشيخ محبوب إلينا، نحبه في الله، ونتقرب إلى الله بحبه، والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>