أبو الحسن رضي الله عنه وأرضاه رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو بمكانة هارون من موسى من الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي غزوة خيبر قال عليه الصلاة والسلام للصحابة قبل أن يناموا:{لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه}.
قال عمر ما أحببت الإمارة إلا في تلك الليلة، لأن من مواصفات هذا الأمير أنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وفي الصباح قال عليه الصلاة والسلام: أين علي بن أبي طالب؟ قالوا: يا رسول الله! هو مريض بالرمد، والله ما يرى مد يده، قال: عليَّ به، فذهبوا فأخذوا بيديه يقودونه حتى وقف بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام، فبصق في عينيه، لأن ريق الرسول عليه الصلاة والسلام فيه بركة، وفيه من الخير ما الله به عليم، فإذا هو يبصر وقبلها يقول: اذهب، قال: والله يا رسول الله! ما أرى مد يدي، وقال: ادن مني، فدنا فتفل في عينيه فإذا هو يبصر، وقال: اذهب علَّ الله أن يفتح عليك، ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم، فذهب يهرول إلى حصن خيبر فنزل له مرحب اليهودي بطل من أبطال اليهود الشجعان، والشجعان في اليهود قليل لأن اليهود من أجبن الأمم في الأرض، لكن قد تأتي نادرة، ولكل قاعدة شواذ، فجاء مرحب هذا فنزل بالسيف وعليه لأمة، وكان كبير الجسم وأخذ يرتجز ويقول:
قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
وما درى مرحب أن أمامه علي بن أبي طالب، وما درى أن أبا الحسن له بالمرصاد، شاب يشرب الموت مثل ما نشرب الماء، فنزل علي بن أبي طالب وقال:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة
وحيدرة اسم الأسد، وللأسد عند العرب تسعة وتسعون اسماً، منها حيدرة، وقد كانت أمه تلاعبه وهو صغير وتقول: حيدرة، فقال:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة
كليث غابات كريه المنظرة
أكيلكم بالسيف كيل السندرة
فاختلفا ضربتين، ثم ضربه علي بن أبي طالب فأطار رأسه كأنه ما خلق له رأس، وعاد يكبر ويهلل ويكبر معه المسلمون ويهللون.
وخرج عليه الصلاة والسلام إلى تبوك فأراد رجلاً أميناً ليكون على أهله وقرابته وعلى نساء المدينة، فاختار علي بن أبي طالب وقال: أنت خليفتي في المدينة، فلما خرج صلى الله عليه وسلم من المدينة جاء المنافقون إلى علي، وانظر إلى أهل الغش والدسائس قالوا: ما تركك إلا تثاقلاً منك، فلبس سلاحه يريد أن يخرج إلى الغزوة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فلقيه وهو يبكي ويقول: يا رسول الله! تثاقلت مني وتركتني، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال:{أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي} فأعاده إلى المدينة