[عظمة الله]
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً، وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السموات والأرض، ولم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدره تقديراً، واتخذوا من دون الله آلهةً لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون، ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً.
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً؛ بلغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، صلى الله عليه وسلم ما هطل المطر، وما غرد البلبل على الشجر، وما اتصلت عينٌ بنظر، وما تألقت أذنٌ لخبر، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل
ويرى نياط عروقها في نحرها والمخ في تلك العظام النحل
اغفر لعبدٍ تاب من زلاته ما كان منه في الزمان الأول
{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:٦٢] من هو الله؟ وما هي أسماؤه؟ وما هي صفاته؟ وما هي آثاره في الأرض؟
سأل موسى عن ربه فقال: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:٥٠].
وسأل إبراهيم عن مولاه، وعن مميته ومحييه، فقال: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء:٧٨] {وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء:٨١] والله يقول لرسولنا عليه الصلاة والسلام في سورة بالغة التأثير: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه:١ - ٨].
يعرف الله بنفسه لرسوله صلى الله عليه وسلم، أنه الله الذي لا إله إلا هو {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:٦] ما هي آياته؟ وما هي بيناته؟ وما هي علاماته؟
الكون كل الكون، السماء، والأرض، والجبال، والزهرة، والغدير، والجدول، والشجرة، والهواء، والضياء، والسناء تشهد أن لا إله إلا الله.
{طه} [طه:١] من هو طه؟
حرفان متقطعان وليس اسماً له صلى الله عليه وسلم، ليس من أسمائه {طه} [طه:١] ولكن {طه} [طه:١] كـ {حم} [الأحقاف:١] وكأن المراد من هذه الحروف نسج الله القرآن، ومن هذه الحروف تكلم الله بالقرآن، فتعالي يا أمة الضاد، يا أمة الشعر الرقراق، ويا أمة البيان البراق، تعالي أيتها العرب العرباء! تعالي فانسجي من مثل {طه} [طه:١] كلاماً؛ كما يأتي بعد {طه} [طه:١].
{مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} يخرجك بالقرآن من الظلمات إلى النور، ونخرج أمتك بالقرآن؛ من الظلمات إلى النور، ونرفع رءوسكم بالقرآن من أمة كانت تسجد للوثن، وتعبد الصنم، وتقدس الخرافة، وتسجد للوثنية، وتتقلد التقليد، وتركن للأمم، وتقاد بالحبال كما تقاد الشياه، إلى أمة ترفع رءوسها وتسجد لله.
ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا
{مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} لكن والله لتسعد، وليشرح بالك، وليستنير قلبك، وليرتفع رأسك.
وكل مخلوق لا يهتدي بهذا القرآن فهو ملعون القلب، خائن الضمير، فاشل الإرادة، مهزوم العقيدة، متخلف الركب، يتردى في نار جهنم.
وقلب بلا إيمان كتلة لحمٍ ميتة، وعينٌ بلا إيمان مقلةٌ عمياء، وأذنٌ بلا إيمان إشارةٌ خاطئة، ومجتمع بلا إيمان قطيع من الضأن.
كنا أمة عربية ضائعة، لا تعرف شيئاً؛ إنما تعرف الوثن والصنم والزنا والسرقة، والخنا، والغدر، والخيانة، والفحش، والتفلت على أمر الله، فأتى محمد عليه الصلاة والسلام بالقرآن فبعثها من جديد:
أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعبٌ من الأموات أحياه
أتى ليقول: إن الربا حرام، والزنا حرام، والكذب حرام، والغناء حرام، وضياع الوقت حرام، والانهزام حرام، والتخلف والتبعية لأعداء الله حرام، وإعطاء الولاء لغير الله حرام.
فماذا فعل؟
في خمسٍ وعشرين سنة ترك أمة رائدة، يأتي علمها ويرفرف على المحيط الأطلنطي بقيادة عقبة بن نافع، وعلمها الآخر يدخل كابول مع قتيبة بن مسلم، والثالث مع محمد بن القاسم في الهند والسند، والرابع مع طارق بن زياد في أسبانيا.
من الذي أخرج العرب؛ أمة الشاة والماعز، وأمة البقر والإبل، وأخرجهم الله من الظلمات إلى النور.
والمقصود: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه:١ - ٣].