[استحباب تحنيك المولود]
من السنة إذا ولد لك مولود، إن كنت صالحاً -ونسأل الله لنا ولك الخير- أن تأخذ شيئاً من التمر، فإن أعوزك فعسل، فإن أعوزك فشيئاً من سكر، أو شيئاً حلواً وتحنطه به، وهذا فيه حكم ولطائف، حتى يقول ابن القيم: هو أحسن ما يباشر بطن المرأة النفساء؛ ولذلك الصائم أول ما يفطر على التمر؛ لأن الحلو فيه قوة تدافع الجائع، والمولود لم يأكل من الحياة شيئاً، فأول ما يقدم له التمر الحالي -لا يقدم له (فصفص) ولا غيره إنما يقدم له تمر- ويمضغ حتى يصير سائغاً للشاربين، ثم يوضع في فمه.
جاء في صحيح البخاري وصحيح مسلم {أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بـ عبد الله بن أبي طلحة وهو صغير - ابن أم سليم وأبي طلحة أتى به أخوه من أمه أنس - قال: فأتيت الرسول صلى الله عليه وسلم، فوجدته يطلي إبلاً من إبل الصدقة -محمد عليه الصلاة والسلام، معلم البشر، الذي رفع الرءوس إلى النظر، الذي نزل وحيه كالمطر، الذي علم الإنسان وفقه الإنسان، ومع ذلك يطلي إبل الصدقة- قال: فأتيته بابن أبي طلحة وهو لا زال صغيراً، أي: أنه ولد الآن، ما دخله لا لبن ولا ماء ولا شيء، يريدون بركة ريقه صلى الله عليه وسلم:
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
يا خير من دفنت في القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم
فأخذ الطفل، وأخذ تمرة عليه الصلاة والسلام، فمضغها -انظر إلى المربي الأجل، والمتواضع يراعي الناس في أطفالهم، يقف مع المولود ومع المرأة فيعيش مشكلتها يطلي الإبل والجهاد يدار على كفه وتربية الأمة، وشئون المرأة، وشئون الاقتصاد والإدارة والفتيا والتعليم والدروس كلها على يديه - ثم وضعها، فأخذ الطفل يتلمظ التمر، فقال عليه الصلاة والسلام وهو يتبسم: انظروا حب الأنصار للتمر}.
لأن الأنصار أهل تمر وهذا الابن أنصاري، فهو يحب التمر.
وقد ذكر عليه الصلاة والسلام الجنة، فوصفها ووصف نخيلها؛ فقال أعرابي: يا رسول الله! أفي الجنة نخل وزروع؟ قال: إي والذي نفسي بيده.
قال: إذاً الجنة تعجب الأنصار بل تعجب كل مسلم، ونسأل الله أن يجعلنا من وراث الجنة، وألا يحرمنا الجنة، فوالله إذا كان سعينا وعملنا ودروسنا ومحاضراتنا وبيوتنا وسيارتنا للدنيا، فيا خيبتاه!! فوالله إنها دنيا مريضة وحزينة، ودنيا الهم والغم، وما ارتحنا فيها أبداً، إن ارتحت اليوم اغتممت غداً، وإن سلم ابنك ماتت ابنتك، وإن نجحت البنت رسب الولد، وإن تشافى الرأس مرضت اليد؛ فهي دنيا مكدرة لا تصلح أبداً.
قال رجل للحسن البصري: ماذا أفعل ببطني؟ إن جعت أتتني رعشة -أي: ارتعدت- وإن شبعت كظني بطني.
قال: التمس لك يا بن أخي داراً غير هذه الدار، فهذه لا تلائمك ولا تناسبك.
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من ورثة تلك الدار.
ولا بد أن يكون المحنِّك صالحاً، فلا تذهب به إلى فاجر وتقول: يا بركة الزمان! يا درة المعمورة! نتبرك بك لهذا الابن.
لا.
وأنا أتحفظ عند كلمة "يتبرك" وقد أطلقها الشوكاني وغيره، لكن المراد أن يدعي له، أما أن يتبرك بآثاره فأتحفظ عنها، وأستغفر الله منها؛ لأنها طريق إلى الخزعبلات والخرافات.
أمة تبني مجدها ودينها وعلمها على خرافات؛ أمة لا تصلح، والآن أصبح السحر والكهانة منتشراً حتى في المدن.
أمة عاقلة، وأمة أصبحت تسير أمورها على الكمبيوتر، لكنها مخرفة تعلق التمائم، وتأخذ بعض الحجارة، وتفعل هذه الخرافة أين العقول؟! فهذا حرام.
والتبرك مدخل إلى الخرافة، ولكن يذهب به إلى رجل صالح ويقال: نريد أن تدعو له، ودعاء الصالحين مطلوب، أما أن يتبرك بثوبه، أو بغترته، أو بشرابه فلا يكون التبرك إلا بآثار محمد صلى الله عليه وسلم فقط، أما هؤلاء الذين ينصبون أنفسهم للدجل والخرافة، وليس عندهم قال الله ولا قال رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليأكلوا أموال الناس بالباطل؛ فهؤلاء كفرة؛ فإن الساحر كافر، وحده ضربة بالسيف.
ومن أتى كاهناً أو عرافاً أو ساحراً فصدقه؛ فقد كفر بما أنزل على محمد، ومن أتاه ولم يصدقه فلن تقبل له صلاة أربعين يوماً، ومن ذهب إليه مصدقاً فلا قبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً، ولا رضي عنه، ولا تقبل منه.
وهؤلاء الكهنة متخلفون، وهم أعداء الرسل عليهم الصلاة والسلام.
وليس هذا مجال هذا الكلام؛ لكنه استطراد لا بد منه؛ لأنها مسألة وقعت وأصبحت ظاهرة في المجتمع؛ فإن السحر موجود، وقد أخبرنا رئيس الدعوة هنا الشيخ مداوي، أنه قد اطلع على عشرات القضايا من هذه المسألة بنفسه في المدن وفي القرى، وأصبح الناس يذهبون إلى السحرة طوابير، حتى من بعض خريجي الشريعة وأصول الدين؛ نسي أنه قرأ فتح المجيد وفتح الباري وقرأ فتاوى ابن تيمية، ونسي عقله وعلمه ودينه يوم ذهب، فعلق دينه في بيته وذهب نعوذ بالله من الخذلان.