للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[دروس من قصة يوسف عليه السلام]

الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدون إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وحجة الله على الناس أجمعين، ومحجة السالكين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أمَّا بَعْد:

ففي هذا المقطع السابق من سورة يوسف دروس أيما دروس، فمن هذه الدروس:

أولاً: أن هذا القرآن معجز، وهو معجزة رسولنا صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:٨٨].

ثانياً: أن في الرؤيا حق وباطل، فإذا كانت من رجل صالح، وكانت صالحة، ولم تكن في أمر مستحيل فإنها من المبشرات.

ثالثاً: أن على المسلم إذا رأى رؤيا خير ألا يخبر بها إلا من يحب، ولا يخبر بها كل الناس، وإن رأى رؤيا سوء فلا يخبر بها أحداً سواء يحبه أو لا يحبه، فرؤيا السوء لا يخبر بها أبداً.

وبعض الناس إذا رأى رؤيا مكروهة أخبر بها فتقع عليه، وفي حديث عنه صلى الله عليه وسلم وهو صحيح: {الرؤيا على جناح طائر إن تحدث عنه وقع}.

رابعاً: أن الحسد فطرة في الناس، قال الحسن رحمه الله: [[ماخلى جسد من حسد]] ولكن المؤمن يدفعه، والحسد من أكبر الذنوب والخطايا، وأقبح السيئات، وهو يأكل الحسنات وينحل الجسم، ويذهب بالتقوى، ويغضب الرب على العبد

ألا قل لمن كان لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب

أسأت على الله في فضله لأنك لم ترض لي ما وهب

فمن حسد فقد أساء الأدب مع الله، واعترض على القضاء والقدر، وضيع نفسه، ورد فضل ربه على الناس: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً} [النساء:٥٤] فالحسد مقيت وهو أول ما عصي الله به في الأرض، نعوذ بالله منه، والواجب على الحاسد أن يتوب إلى الله، وأن يراجع حسابه مع الله، وأن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويحسن إلى المحسود ويهدي له، وأن يستغفر له، ويعلم أنه ارتكب خطيئة ما بعدها خطيئة.

خامساً: أن الإخوة تقع بينهم الإحن إذا فضل بعضهم على بعض، فمن التربية أن يوازوا بالقسمة وبالحب، في التقبيل والجوائز، ولا يقدم أحدهم على الآخر، ولو أن هذا تفوق أو نجح في الدراسة أو قدم عملاً، فلا يقدم على إخوانه، {أتى النعمان بن بشير وأبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال -وقد ميزه أبوه بشيء من القسمة- فقال صلى الله عليه وسلم لأبيه: أعطيت أبناءك كلهم مثل هذا؟ قال: لا يا رسول الله! قال: إني لا أشهد على جور} وفي رواية: {أشهد على هذا غيري} وفي رواية أخرى: {اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم} فإن من الظلم أن يقدم أحد الأبناء وأن يؤخر الآخرين، لأنه سبيل إلى الإحباط والتباغض بين الأبناء.

سادساً: أن الحافظ هو الله، وأن المانع من السوء هو الله، والرقيب والحسيب هو الحي القيوم، فيوسف عليه السلام لما ألقي في الجب نسي كل شيء إلا الله، فحفظه ورعاه وتولاه وأيده، وسدده وآواه وأصبح ملِكاً على مصر، وآتاه النبوة وشرفه بالرسالة، ومنحه العلم والدعوة، وكذلك يحفظ الله من يحفظه: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:٦٤] وهكذا تستمر سورة يوسف بمشاهدها التي سوف تأتي إن شاء الله، وبحديثها الشائق، وبروعتها في الأداء وفي الأخذ بأطناب القلوب.

نسأل الله فقهاً في كتابه، وتدبراً لآياته، وعملاً بمواعظه وأحكامه، إنه على كل شيء قدير، عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}.

اللهم صل على حبيبك ورسولك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمَّر أعداء الدين، من الشيوعيين ومن اليهود والصليبيين، إنك على كل شيء قدير.

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم وفق إمام المسلمين لما تحبه وترضاه، اللهم وفقه للخير ودله عليه، وجنبه من السوء إنك على كل شيء قدير، اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان وفي فلسطين، وفي كل صقع من بلادك يا رب العالمين، اللهم ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>