أما مواد هذه المدرسة؛ فإن المادة الأولى هي: مادة توحيد المنهج، فلن يجمع الرسول صلى الله عليه وسلم المتردية والنطيحة وما أكل السبع، ولن يرضى صلى الله عليه وسلم أن يدخل قبائل العرب بالعصا، أو أن يجمع بينهم بإرادةٍ اقتصادية أو أدبية أو فكرية أو حزب أو طموح أرضي إنما يجمعهم على مبدأ (إياك نعبد وإياك نستعين){قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}[الكافرون:١ - ٦].
فلا تلفيق ولا ترقيع، إنما هو صفاء، يُعلِّمهم عليه الصلاة والسلام بمنهجه، ثم يجمعهم ولا يهمه الكثرة، لكن بعض الناس يجمع، ويقول: لا تأت بأمور تفرق الجمع وربما كان ما يريك أن تتركه من المرتكزات الأساسية وإنما اجمع اجمع، وهؤلاء غثاء كغثاء السيل، فالرسول صلى الله عليه وسلم بدأ يبني مجتمعاً لبنةً لبنةً: زيد مولى، وأبو بكر حر، وعلي صبي، وخديجة امرأة، ثم بنى منهم لبنات الرجال والموالي والصبيان والنساء؛ حتى اكتمل البناء:{يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}[الفتح:٢٩].
وهذا بناؤه عليه الصلاة والسلام الشامخ العظيم الذي تركه في الناس.
أما التجميع على غير منهج رباني، فرأيناه في المجتمعات التي جمعت الناس على مذاهب وضعية، أو على نحل أرضية، ورأينا كيف تبددوا، بل لما دخل الناس زرافاتٍ ووحداناً، ودخلوا في دين الله أفواجاً؛ فهؤلا مسلمة الفتح لم يتلقوا تربية كتربية أبي بكر وعمر، ولا تلقوا تعاليم كتعاليم أبي بكر وعمر، فأول من فر في حنين هم مسلمة الفتح، ويقول أبو سفيان: والله لا يردنا اليوم إلا البحر.
ويقول أخٌ لـ صفوان بن أمية: الآن بطل السحر، أما أبو بكر وعمر، فصمدوا في المواقف إلى آخر لحظاتهم وأنفاسهم رضوان الله عليهم؛ لأن البناء كان وثيقاً ضخماً، وكان مبنياً على تقوى من الله.