[غيث الرسالة]
أيها الفضلاء! يقول عليه الصلاة والسلام، وهو يصف رسالته، ودعوته، كما ثبت ذلك في الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث}.
أي أسلوب؟! وأي فصاحة؟! وأي إبداع؟!
قال: الهدى والعلم، لماذا؟
أليس العلم هدى؟
بلى.
أليس الهدى علم؟
بلى.
لماذا فصل العلم عن الهدى؟
لأن العلم هو العلم النافع كما قال ابن تيمية، والعمل: هو العمل الصالح.
{كمثل الغيث} وقال الغيث لمعنيين:
الأول: أن الغيث صافٍ من السماء، ينزل على القلوب.
والثاني: أن الغيث فيه غوثٌ للأرواح، فرسالته عليه الصلاة والسلام كالغيث للأرواح.
أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرممِ
أنا وأنت، وأبي وأبوك، وجدي وجدك، كنا رعاة إبل وغنم، حتى أتى محمدٌ عليه الصلاة والسلام، فقال: استيقظوا فاستيقظنا، وقال: افتحوا الدنيا بلا إله إلا الله فكبرنا وفتحنا بالعلم، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولكن فجر حصائل العقول بمفاتيح العلم، فسرت في غياهب الدياجير تبني بدوراً في سماء الفضل.
وفي الصحيح عن معاوية رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين} ومفهوم المخالفة، وهو ليس حجة عند الأحناف، لكن مفهوم المخالفة حجة عند الجمهور: أن من لم يرد الله به خيراً لا يفقهه في الدين.
أنت الآن تجد العلمانيين عنده شهادة دكتوراه في هندسة التربة، وعنده دكتوراه في مرض الدوسنتاريا في البقر، وعنده دكتوراه في السرطان في الحمير، لكن لا يعرف الوضوء ولا التيمم ولا المسح على الخفين، لماذا؟
لأن الله ما أراد به خيراً، فهو يفقه كل شيء إلا الإسلام، موسوعةٌ في كل شيء إلا في صحيح البخاري وصحيح مسلم والفقه والتفسير؛ لأنه يعلم علماً ظاهراً ولا يعلم علماً باطناً.
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر}.
يا أيها الإخوة! ما هو ميراثه عليه الصلاة والسلام؟ أين قصوره؟ أين دوره؟
كفاك عن كل قصرٍ شاهق عمد بيتٌ من الطين أو كهفٌ من العلم
تبني الفضائل أبراجاً مشيدةً نصب الخيام التي من أروع الخيم
إذا ملوك الورى صفوا موائدهم على شهيٍ من الأكلات والأدم
صففت مائدة للروح مطعمها عذبٌ من الذكر أو هديٌ من الكلم
نقف وهذه الليلة الخالدة نحن والعلماء أمام الله، ثم أمام الناس، ثم أمام البلاد، لنسألهم هل أنقصنا من حقهم شيئاً؟
ونسأل حقنا عندهم؟ ولعل الله أن يؤلف بين الشبيبة والرواد، وبين الرواد والشبيبة ليصلح الحال.