أما شجاعته عليه الصلاة والسلام، فهي شجاعة قلب وشجاعة إرادة وسعة يد، وهذه الشجاعة تنبع عن الكرم، وأشجع الناس أكرمهم.
يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجود
والغالب أن الكريم شجاع، وأن الشجاع كريم، لكن نادراً أن تجد بخيلاً شجاعاً، أو شجاعاً بخيلاً، وأقول في قسم الشجاعة: من أشجع الناس علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وإنما أقول ذلك؛ لأن له كلمة، يقول:[[كنا إذا التقينا واشتد الكرب، وحمي الوطيس، اتقينا برسول الله عليه الصلاة والسلام، فوجدناه أقرب الناس إلى القوم]] ما فر في معركة، وواجب عليه أن يصمد في المعركة ولو فر أصحابه جميعاً، قال تعالى:{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ}[النساء:٨٤] لما فر الناس في حنين وقف صلى الله عليه وسلم يقاتل وأخذ السيف مردداً:
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
وسمع مرة صيحة في ناحية من نواحي المدينة، فأخذ الفرس صلى الله عليه وسلم والسيف، حتى اكتشف الحادث، ثم عاد وحده.
كأنه وهو فرد من جلالته في موكب حين تلقاه وفي حشم
كأنه يحاط بهالة من الحراسة، ولكن حراسته من الله، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[المائدة:٦٧].
وزهده عليه الصلاة والسلام، إعراض عن الفاني وإبقاء للباقي وأخذ وقت الحاجة للحاجة، قال ابن القيم: كان لا يتكلف مفقوداً ولا يرد موجوداً، وهذا هو الصحيح، جاع حتى ما وجد كسرة الخبز، ولا حفنة التمر، وأكل صلى الله عليه وسلم أحياناً العسل واللحم، وأكل من طيبات ما رزقه الله، فمن أخذ التقشف طريقة دائمةً ورد الطيبات فقد أخطأ، ومن مكث على الطيبات ولم يتقشف أحياناً وطلب أطايب الطعام فقد أخطأ، الوسط سيرته عليه الصلاة والسلام.
وبعد فإنما هذه جمل وإشارات، ولعل الله أن يسهل بمن يبسطها ويشرحها، ومن أحسن الكتب في ذلك زاد المعاد، والمجلد العاشر والحادي عشر من الفتاوى لـ ابن تيمية.