للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[كيف تكون المحبة والتضحية لرسول الله صلى الله عليه وسلم]

السؤال

لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم معاصرين للرسول صلى الله عليه وسلم، لذلك بان حبهم وتضحيتهم للرسول صلى الله عليه وسلم، فنالوا رضوان الله ورسوله ونحن كيف يكون حبنا وتضحيتنا للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو موارى في التراب؟

الجواب

نعم.

كما تفضل السائل أكبر أو أعظم صحابة أحبوا صاحبهم هم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، يأتي أبو دجانة فيتترس على الرسول عليه الصلاة والسلام، وتقع الأسهم على ظهره ويقول: [[نفسي لنفسك الفداء يا رسول الله]] الصاحب سعد بن معاذ الذي يقول: [[يا رسول الله! صل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وأعط من شئت، واحرم من شئت، والذي نفسي بيده! لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد]].

الصحابية نسيبة الأنصارية تأتي فيقول عليه الصلاة والسلام: {ما التفت إلى ناحية إلا وجدتها تسترني من السهام} أبو عبيدة يأتي إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام، فيرى حلق المجن قد غارت في جبينه الطاهر، فينزعها بثنيتيه فتتساقط، وكان أحسن جميل عمله في الإسلام، الصحابي الخامس: {يأتي فيمص الدم من الرسول عليه الصلاة والسلام -وهذا اسمه سعد بن مالك بن سنان الخدري: أبو سعيد، والحديث صحيح- فيمص الدم فيقول له صلى الله عليه وسلم: مج الدم -يعني: أخرج الدم- فيقول: والله، لا أمجه أبداً، فيبتلعه ويشربه}.

الذهبي في سير أعلام النبلاء يروي بسند صحيح أن عبد الله بن الزبير {أعطاه صلى الله عليه وسلم فضلة دم حجامة -الحجامة التي احتجمها صلى الله عليه وسلم أعطاه في صحن، وقال: اذهب به فاجعله في مكان لا يراه أحد، فذهب به، فلما اختفى بين البيوت وعُمْرُ عبد الله بن الزبير عشر سنوات شرب الدم؟ وعاد بالصحن والرسول صلى الله عليه وسلم يدري، قال: أين وضعت الدم؟ قال: وضعته في مكان لا يراه أحد، قال: ويل لك من الناس، وويل للناس منك؛ ولن تمسّك النار} وهذا الحديث صحيح، فأما ويل لك من الناس، فإنك قد خالطت دمي بدمك فسوف تصاب بمثل ما أصبت، لأن العظماء محسودون، يقول زهير:

محسدون على ما كان من نعم لا ينزع الله منهم مالهم حسدوا

إن العرانين تلقاها محسدة ولا ترى للئام الناس حسادا

وأما قوله: {وويل للناس منك} فإنك سوف تكون عظيم، لأن دمي في دمك وسوف يتضرر بك قومك، لا تمسك النار في الآخرة، كيف تمسه النار وقطع دم الرسول صلى الله عليه وسلم سرت في شرايينه؟! ولذلك كان عظيماً، وقتله الحجاج بن يوسف ورفع على المشنقة وأصبح في ريع الحجون عند المقبرة للرائحين والغادين، حتى صدقت عليه القصيدة وليتها فيه، التي قالها أبو الحسن الأنباري، في أحد الوزراء يوم صلب على باب بغداد، قال:

علوٌ في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزات

علو في الحياة والممات: يقول كنت عالياً في الحياة، ويوم مت كنت عالياً ما دفنوك.

كأن الناس حولك حين قاموا وفود نداك أيام الصلات

كأنك واقف فيهم خطيباً وهم وقفوا قياماً للصلاة

مددت يديك نحوهم احتفاء كمدهما إليهم بالهبات

ولما ضاق بطن الأرض عن أن يواروا فيه تلك المكرمات

أصاروا الجو قبرك واستعاضوا عن الأكفان ثوب السافيات

هذا الفداء وهذا التطراد، كيفما تقدم حبك للرسول صلى الله عليه وسلم، نحن والله لا نطالب أنفسنا وإياكم بأن نفعل كما فعلوا:

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامة يا مربع

نطلب أن نربي لحانا كما كان صلى الله عليه وسلم يربي لحيته، وأن نقصر ثيابنا، وأن نشتري مساويك، وأن نحافظ على الصلاة، ثم نعود إلى بيوتنا لنأكل ونشرب، ولكن نطالب أنفسنا ألا نرتكب حراماً، هذا إسلام قدم لنا طازجاً جاهزاً، ما علينا إلا أن نتبع وأن نتمسكن وإذا سمعنا قنبلة أو غارة قلنا: {أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق} فنحن نطالب أنفسنا باتباعه وحبه من هذا المسلك، في صحيح البخاري: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال وقد سأله أعرابي: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، قال: المرء يحشر مع من أحب} قال أنس: [[فنحن والله نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحب أبا بكر وعمر وإن لم نعمل بأعمالهم]].

أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة

وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة

<<  <  ج:
ص:  >  >>