[أهل السنة وسط بين فرق الأمة]
ومن خصائص أهل السنة والجماعة: أنهم وسط بين فرق الأمة.
فإن الله جعلهم في أفكارهم ومعتقداتهم وعباداتهم وأخلاقهم وسلوكهم وسطاً، والله جعل الأمة الإسلامية وسطاً، قيل: خيار، وقيل: وسط بين المتطرفين، فلا تطرف، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:١٤٣].
وأنا أنقل بعض النقولات؛ علَّ من عنده رغبة في مراجعة الأدلة والنقولات أن يعود إليها في مظانها، وغالباً ما أنقل من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، أو إعلام الموقعين، أو بعض الكتب التي أشير إليها.
قال شيخ الإسلام: وهكذا أهل السنة والجماعة في الفرق، فهم في باب أسماء الله تعالى وصفاته وسط بين أهل التعطيل الذين يُلحدون في أسماء الله، فإنهم نفوا أسماء الله وصفاته سبحانه وتعالى، وبين المشبهة الممثلة الذين مثلوا الله سبحانه وتعالى بخلقه، فهؤلاء جعلوا الله عدماً، وهؤلاء جعلوا الله كالمخلوقات.
فـ أهل السنة توسطوا، فأقروا في الأسماء والصفات ما ورد في الكتاب والسنة، وأمروها على ظاهرها بلا تحريف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل مع الإيمان بمعناها: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١].
وتوسط أهل السنة بين المرجئة وبين الخوارج والمعتزلة، فـ الخوارج أخرجوا أهل الكبائر من الإيمان، فعندهم شارب الخمر كافر في النار، والزاني كافر، والمعتزلة أنزلوهم في منزلة بين المنزلتين -لا كافر ولا مؤمن- وخلدوهم في النار.
وهدى الله أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فقالوا: لا يزال صاحب الكبيرة ما لم يستحلها في دائرة الإيمان، فاسق بكبيرته تحت رحمة الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، لكنه لا يزال مؤمناً ويستدلون على ذلك بأدلة:
منها: أن الله عز وجل قال في المتقاتلين وهم من المؤمنين: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:٩] ثم قال سبحانه وتعالى بعدها: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠] فلم يسلب عنهم الإيمان.
وأنا أسمع أن بعض الناس يقول: الدعاة يُكفِّرون الناس، ووالله! ما سمعت طالب علم يُوثق بعلمه وبنقله وبعقله كفر أحداً.
نعم! ينهى عن المعاصي والفجور، وعن التهكم بالدين، لكن أما أنه يكفر الناس بالذنوب فلا! وليس هذا منهجاً يُرتضى؛ لأن الدعاة -الآن- وطلبة العلم والعلماء هم الذين يُعلِّمون أبناء المسلمين في الجامعات والمدارس والمحاضرات والندوات، فكيف يقولون هذا القول المبتدع الذي لا يرضاه مسلم؟!
وأهل السنة -أيضاً- وسط بين القدرية والجبرية.
فـ القدرية قالوا: لم يقدر الله أي شيء، والله لا يعلم الشيء إلا بعد وقوعه، فمجيئك إلى المسجد عند القدرية لا يعلمه الله حتى تأتي -تعالى الله عن ذلك- فيقولون: ما سبق علمه ولا سبق تقديره.
والجبرية يقولون: العبد مجبور على فعل المعصية، ففرعون مجبور عندهم ومعذور على الكفر، وكذلك إبليس معذور عندهم.
وتوسط أهل السنة فقالوا: لا.
للعبد مشيئة، ولله مشيئة، قال الله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:٣٠].
وللعبد اختيار لكنه تحت اختيار الله، والعبد واختياره مخلوقان خلقهما الواحد الأحد، فهذا هو الاختيار السليم السديد وهو الوسط.
وأهل السنة وسط -أيضاً- بين الرافضة والناصبة، فـ الرافضة هم الذين رفضوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولعنوهم وتبرءوا منهم، وكفَّر بعضهم الشيخين، ورموا عائشة بالفاحشة، وقابلهم الناصبة.
ثم إن الرافضة ألهوا أهل البيت، حتى إن بعض الفرق ادَّعت أن علياً إلهاً، أو نبياً، أو خيراً من الأنبياء، وادّعوا أن الأئمة معصومون أو أفضل من الأنبياء.
وقابلهم الناصبة فسبوا أهل البيت، ولعنوا علياً من على المنابر، وتبرءوا منه، وقالوا: بكفره، واستحلوا دمه.
وتوسط أهل السنة فأقروا لأهل البيت بالحب والولاء، وعرفوا منزلتهم واحترموهم، وقدَّروا الصحابة، وتوسطوا؛ قال الله: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:٢١٣].