للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة

ثم قال عليه الصلاة والسلام: {ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة} وفي سنن ابن ماجة قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من ستر عورة مسلم ستر الله عورته يوم القيامة} فما المقصود بالستر في الحديث؟

الستر على نوعين:

أولها: ستر أهل الخير والصلاح وأهل الطاعة الذين تكبو بهم أقدامهم أو تنزل بهم ألسنتهم أو تجد منهم هفوة أو يأتي منهم أمر، فسترهم: أن تقيل عثراتهم ولا تبديها للناس، يقول عليه الصلاة والسلام -كما عند أحمد وغيره-: {أقيلوا لذوي الهيئات عثراتهم} وذوي الهيئات: أهل الصلاح والاستقامة وأهل الخير وأهل المعروف الذين تبدر منهم بادرات أو هفوات أو زلات:

من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط

من ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه

تريد مهذباً لا عيب فيه وهل عود يفوح بلا دخان

أتريد من الإنسان أن يكون معصوماً؟ فإذا كان الإنسان ظاهره الصلاح ويريد الخير، وحسناته أكثر من سيئاته قال: ابن المبارك رحمه الله -كما في كتاب الكفاية عند الخطيب البغدادي -: العدل عندنا -أي: عند أهل السنة والجماعة -: هو الذي زادت حسناته على سيئاته.

وقال سعيد بن المسيب -كما في ذلك-: ليس مسلم يخلو من ذنب، لكن من زاد صلاحه على فساده فهو المقبول الثقة.

فهذا هو الذي يزيد خيره على شره، فإذا كان هذا الخيِّر بدرت منه بادرة فاسكت ولا تخبر واكتم واستر واطلب من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يسترك بهذا، كأن يفعل ذنباً لكن هو صالح، لكنه كتب الله عليه بعض الأفعال من المعاصي والجرائم كتأخير الصلاة يوماً من الأيام بتشاغله بشيء، بدرت منه كلمة ليست بلائقة، أو غضب غضبة فأخرجت منه بعض البذاء أو بعض الفحش، فهذا تستره وتكتم عنه ولا تخبر به، أما أن تجلس إلى الناس وتخبر وتقول: الله المستعان! ظاهرك كأنك تريد أن ترقق له وأنت تريد أن توخزه وتطعنه، ولذلك بعض الناس -كما يقول الغزالي - أذكياء في الغيبة لا يأتون ليجرحوا الناس أمام العين، ولكن يأتون أمام المجلس ويقولون: غفر الله لفلان، ليته ما وقع فيما وقع فيه، نسأل الله أن يغفر له ولنا، وهم يريدون أن يجرحوه ويقطعوا لحمه ويشربوا دمه لا يريدون إلا ذلك ويقول أحدهم: عافانا الله مما ابتلى به فلاناً ويأتي الثالث ويقول: بت البارحة مهموماً ومغموماً، قالوا: ما هو الشيء الذي همك وغمك؟ قال: مما وقع فيه فلان، وهو لا غم ولا هم ولا سهر لكن أراد أن يقطع لحمه في المجلس، فهؤلاء هم الذين يفضحهم الله على رءوس الأشهاد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>