أن يتقوا الله عز وجل، ويكونوا لأبنائهم قدوة صالحة، وهذا في أصل الطفل يوم أن يكون مقلداً، ينظر إلى أبيه ويظن أن ليس في الدنيا مثل أبيه، ولا أحسن من أبيه، ولا أعدل منه، ولا أصدق منه، فهو يقلد حركاته وسكانته وحاله وأقواله وأفعاله، فاتقوا الله -أيها الآباء- في أبنائكم، وكونوا قدوة صالحة
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
وكيف يقول الأب لابنه: كن صادقاً، ثم يخالفه فيكذب؟ الفعل فعل قبيح والقول قول جميل، قال الله:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ}[البقرة:٤٤] نقول للابن: صل في المسجد، ثم لا يرانا نصلي ونحن الآباء! فأي عدل هذا؟ وأي إنصاف؟ إنه ظلم للعقل، وظلم للعلم، وظلم للتربية، وظلم للإحساس نقول للابن: لا تغتب أحداً، اتقِ الله في أعراض المسلمين، ثم لا تفتأ الدقائق تمر إلا ونقع في أعراض الناس بسكاكين من القول الجارح، فأين ذاك القول من هذا الفعل؟
فيا أيها الأبرار الأخيار! إن القدوة أمرها عظيم، ولذلك سوف يلزمك ابنك يوم القيامة، ولا تظن الإسلام أن تقول في الدنيا: نفسي نفسي، إنما ذلك إذا كنت قد عملت صالحاً، ثم برأت نفسك بالتبليغ، أما أن تقول: أنا لي حسناتي وعلي سيئاتي، وأبنائي عليهم ما عليهم وأنا شأني شأن وشأنهم شأن، فهذا ليس في الإسلام.
يقول أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه على المنبر -كما في الترمذي بإسناد حسن، وعند أحمد بسند صحيح-: {يا أيها الناس! إنكم تقرءون هذه الآية وتحملونها على غير محملها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}[المائدة:١٠٥] وإني سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر ثم لم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده}.
أنصلح في أنفسنا وأبناؤنا لا يصلحون؟! أنتهجد بالقرآن وأبناؤنا في المقاهي والملاهي؟! أنتلوا الآيات البينات وأبناؤنا يرددون ما يغضب الله عز وجل؟! أندرس كتب العلم المقومة الراشدة وأبناؤنا مع المجلة الخليعة ومع القول السخيف؟! ففي أي المبادئ هذا؟ إن هذا ضرر القدوة يوم أن كانت سيئة، فنشأ الطفل مقلداً لأبيه في السوء، فلما أراد الأب أن يوجه ابنه بعدما أخذ منه التقليد رفض الابن؛ لأنها غرست في قلبه هذه الأمور، فأصبحت راسخات راسيات.