[أعمال الشيخ عائض في فترة إيقافه]
السؤال
الشيخ عائض القرني! يعلم الإخوة أنك في هذه الفترة قد توقفت عن مزاولة نشاطك في التدريس والوعظ وأيضاً العمل في الجامعة، وهناك سؤال يطرأ على البال: فترة الإيقاف يبدو أنها ليست فترة عقيماً، بل ربما تكون فترة خصبة، فهل استفدتم من هذه الفترة جزاكم الله خيراً؟
الجواب
لعله من المفيد أن يطالع العبد بعينين، بعين إلى القضاء والقدر، وعين إلى الأسباب المعلومة، فيعلم أن ما قضاه الله وقدره، وهو الخير كل الخير للعبد، سواء كرهه أو أحبه، والله يقرر ذلك ويقول: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:١٩] وعند أحمد في المسند عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {والذي نفسي بيده، لا يقضي الله للعبد قضاءً إلا كان خيراً له} قيل لـ ابن تيمية: حتى في المعصية؟ قال: نعم.
بشرطه من الانكسار والندم والتوبة والاستغفار، فالمقصود: أن العبد لا يكره من أمر الله شيئاً، ورب ضارة نافعة.
والنظر الآخر إلى الأسباب، فإنه كما يقول الغربيون في مثلهم: اجعل من الليمون شراباً حلواً, فإن أهل الإسلام يقولون: ليس الذكي الفطن الذي يزيد من مكاسبه أو مرابحه، ولكن الذكي الفطن الذي يحول الخسائر إلى أرباح وهذا يعلمه المسلم من حياته، فإنه ليس هناك أبواب مغلقة إذا كان باب الله مفتوحاً، وليس هناك حبال مصرمة إذا كان حبل الله ممدوداً، فالمجال واسع أمام الداعية مهما أوقف من بعض المجالات، أو أغلق أمامه بعض الأبواب، لأن عدد الطرق إلى الله كعدد الأنفاس، من الكلمة، أو اللقاء، أو التأليف، أو اتصال القلب بالله عز وجل، أو تجديد التوبة، أو العمل الصالح، أو اصطفاء الأخوة، أو المجالس المصغرة، أو الكلمات والقصائد، أو غير ذلك، وهي أسباب كثيرة يعلمها من ينهج هذا المنهج.
فلعل من حلم الله ورحمته أن يقدر على العباد أقداراً هي في صالحهم، وأُدرك من الأسرار أن اختيار الله عز وجل للعباد أحسن من اختيار العباد لأنفسهم، فمثلاً: عن تجربتي الشخصية الضيقة القليلة؛ وجدت أن في هذا خيراً كثيراً، فمن ذلك: العودة إلى التأمل والتدبر والتفكر، ومدارسة ما سبق إن كان هناك أخطاء في الطرح، والتزود في العلم, فإنا لا زلنا -كما تفضلتم في اللقاء- في مقتبل العمر، وهذا يحتاج إلى طلب، وكثرة نصوص، ورحابة في المعرفة.
ومنها: أن يسلم الإنسان لقضاء الله وقدره، فيذعن وينال درجة العبودية في الاستسلام لقضاء الله عز وجل.
ومنها: أن يتأمل إخوانه من الدعاة والوعاظ فيجلس مستمعاً بعد أن كان متكلماً، ومنصتاً بعد أن كان متحدثاً.
ومنها: أن يراجع ما كتب وما قرأ بالتمحيص والتشذيب والتهذيب.
وأما عن هذه الفترة فقد رأيت فيها مكاسب، منها: ما قد سبق ذكره.
ومنها: أن هناك ما أنجز كرسالة الدكتوراه والحمد لله، فقد أشرفت على الانتهاء منها، ولو لم يكن هذا الإيقاف لأخذت الرسالة عمراً مديداً طويلاً يبلغ الأربع السنوات.
ومنها: خطب الجمعة المسك والعنبر، وقد انتهيت من مجلدين اثنين بتصحيح وتنقيح أرضاه والحمد لله، ولو أنه في عمل العبد قصور.
ومنها: ديوان قدم له الدكتور عبد الرحمن بعنوان (أبو ذر في القرن الخامس عشر).
ومنها: ثمان رسائل منها: الترياق والأشواق، وإعادة البناء، وفن الخطابة، وأمراض الوعاظ وغير ذلك من الرسائل.
ثم كان في قراءة متسعة في كثير من الكتب، خاصة مع وجودي في الرياض، فإني أدركت أن هذا البلد رحب, وأكثر معرفة وثقافة, وأنه رافد من مرافد الخير، وقد أدركت ذلك لما طالعت فيه كثيراً من المكتبات، ورأيت كثيراً من العناوين, وأدخلت كثيراً من الكتب، فرأيت كل المصلحة فيما حدث، وما على العبد إلا أن يذعن ويسلم، ولله الخيرة ولرسوله وليس للناس.