للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عدم تكليف الناس في عبادتهم]

من الواجب على العالم والداعية عدم تكليف الناس في عباداتهم، فلا نريد التنفير في الطاعة لا في إمامة المسجد، ولا في خطابة الجمعة، ولا في القراءة على الناس، ولا في تعليم الناس.

يا أيها الإخوة: دعونا نتحاج إلى الكتاب والسنة، صلى معاذ رضي الله عنه وهو أفقه فقهاء الأمة، وهو عالم الأمة، فطول بالناس، قرأ سورة البقرة ظن أنه أحسن؛ لأنه يقرأ قرآناً ويكسب أجراً، فمل بعض الناس من الصلاة ورفضوا أن يصلوا معه، لأنهم لا يتحملون هذا التطويل وشكوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فغضب صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً حتى يقول جابر: {ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد غضباً منه في تلك الموعظة، وقال: أفتانٌ أنت يا معاذ! أفتانٌ أنت يا معاذ! أفتانٌ أنت يا معاذ} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {يا أيها الناس! إن منكم منفرين، من صلى بالناس فليخفف، فإن فيهم المريض والضعيف والكبير وذا الحاجة} وهذا درس للأئمة حتى لا يطيلوا على الناس، أتظن الناس على قلبك وقلب شباب الصحوة، رجل تاب من أسبوع، ورجل اهتدى من شهر، ورجل ترك الخمر أمس، ورجل كان يستمع الأغنية قبل الصلاة، فتريد أن تشده معك حتى يترك المسجد، اكسب الناس في صلاة التراويح، يبدأ بعض الأئمة والناس ملء المسجد، فشدد حتى ما بقي معه إلا صف فنقول: اتق الله واكسب الناس، وهذا منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري: {إني لأدخل في الصلاة فأريد أن أطيل، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه} وفي سنن أبي داود قال عثمان بن أبي العاص الثقفي: {يا رسول الله اجعلني إمام قومي، قال: أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً} والشاهد: اقتد بأضعفهم.

أيضاً: كان الرسول صلى الله عليه وسلم معاملته مع الثلاثة الذين شددوا على أنفسهم في العبادة، قال: {أما أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء , وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني}.

رأى سعيد بن المسيب قوماً يصلون من الظهر إلى العصر -وهذا موجود في سير أعلام النبلاء في ترجمته- فقال له أحد العباد: ما شاء الله انظر يا أبا محمد! لهؤلاء الشباب يصلون من الظهر إلى العصر -معجب هذا الشيخ- قال سعيد بن المسيب سيد التابعين: لا، والله ليست هذه بالعبادة، إنما العبادة الكف عن محارم الله والتفكر في أمر الله، وهذه الذي بلغت سعيد بن المسيب هذا المبلغ.

أما قضية أن يشد الإنسان على نفسه وعلى مجتمعه، فيكون نقمة عليهم حتى ينفرهم، فغير صحيح.

أيضاً مثل: خطبة الجمعة لماذا تخطب ساعة في الناس؟ لماذا تعذب الناس ساعة كاملة ليستمعوا لك؟ هم ما جلسوا حباً فيك، لكنهم مجبرون على الجلوس؛ لأن وراءهم صلاة وبعضهم ساعة وربع! هذه محاضرة، ندوة، هذه أمسية شعرية، يقول- صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم من حديث عمار: {إن قصر خطبة الرجل وطول صلاته مئنة من فقهه}.

أيضاً في الوعظ -وأنا طولت ما امتثلت لكن الله المستعان-!

<<  <  ج:
ص:  >  >>