[تمزق الوقت بين الملهيات والتسويف]
وما قتلنا إلا التسويف وكلمة (سوف) قالوا: من زرع (سوف) أنبتت له نبتة اسمها (لعل) لها ثمر اسمه (ليت) طعمه الخيبة والندامة، ولذلك إذا رأيت شاباً يقول: سوف سوف، فاغسل يديك منه، واعرف أنه سوف لن يراوح مكانه.
أعرف شاباً من خمس سنوات كلما قلت له: أما حفظت القرآن؟ قال: سوف أحفظه إن شاء الله، فهذا يموت وهو لم يحفظه بعد، وتقوم الحرب العالمية الثالثة وما حفظ القرآن، لأنه يقول: ما أحفظ القرآن أنا مشغول بالدراسة، فإذا أتت العطلة الصيفية، قال: العطلة الصيفية نزهة وراحة للقلوب، وساعة وساعة، وإن لقلبك عليك حقاً، فتنتهي العطلة وتأتي عطلة الربيع قال: هذه لـ مكة وللعمرة، تنتهي العطلة، وتأتي الدراسة قبل الامتحانات قال: لا، هذه للمراجعة والاستعداد العلمي، وقس على ذلك البرامج التي يعيشها الشباب، كالهداية، كالتحصيل العلمي، كقراءة كتاب، كتأليف رسالة، يعني كإنجاز ما ينفع المسلمين.
يقول بعض التابعين لما حضرته سكرات الموت، وقد ذكره ابن المبارك في كتاب الزهد: أنذرتكم سوف، لا تقولوا سوف، والله عز وجل ندد بأعدائه في القرآن قال: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:٣] قال بعض المفسرين: لأنهم كانوا يستخدمون (سوف) سوف أفعل، سوف أحفظ، سوف أطالع، سوف أهتدي.
والوقت اليوم رخيص عند المسلمين، فتمر الساعات الطوال على الشباب خاصة، ومن الملتزمين وأهل الصحوة كثير منهم لا يحسب للوقت حساباً، فقد تفاجأ بشاب يزورك، وغرضه سهل يقضى في خمس دقائق، فتجلس معه، وتريده يحدثك بالموضوع، فيخبرك عن أهله، وعن الأمطار في بلده، وعن أخباره، وعن مرتبه، ومتى يتزوج، وتتحرى متى ينتهي؟ ومتى يعطيك هذا السؤال الذي يريده؟ فيعطيكه في آخر المطاف بعد صلاة المغرب وهو عندك من صلاة العصر، وهناك ظاهرة الزيارة في الله، يزورك بعد العصر في الله، وبعد المغرب في الله، وبعد العشاء في الله، ويأكل غداءك في الله، ويأكل عشاءك في الله، وينام عندك في الله، وإذا عانقك كسر ظهرك في الله، وهذه درجة الحب في الله، لا بد أن تسير سيراً شرعياً، ليس استهزاء، والله إنه شرف لمثلي وأمثالي أن يعانق شاباً من شباب الصحوة، وأن يسلم عليه ويستقبله ويزوره ويزورنا لكن الترشيد مطلوب.
يذكر سيد قطب في كتابه الظلال في تفسير سورة النور عند آيات الزيارة: ولماذا لا يتصل أحدنا بأخيه بالهاتف، قبل أن يزوره؟
أحياناً قد يأتي يزورك في الحادية عشرة ليلاً، أهذا وقت زيارة! ويبقى عندك ساعة، أين أنت في العصر والمغرب؟! والله قد ذكر ثلاثة أوقات لا يزار فيها: من قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ.
ومن آدب الزيارة أيضاً: أن يكون عندك جدول عمل، الغربيون هؤلاء -صراحة-: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:٨] يجب أن نكون عدولاً: عندهم جداول عمل للزيارات، لأن الوقت محسوب، والساعات تمضي.
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثان
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:١١٥] {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ} {لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع؛ ومنها: وعن عمره فيما أفناه} فقضية أن تأتيني -مثلاً- وليس عندك مسائل ولا قضايا تطرحها ليس بصحيح فمن أين أبحث لك عن مسائل وقضايا أشغل فيها معك الوقت.
أيها الإخوة: الوقت ممزق عند كثير من الشباب، ممزق تماماً، الآن لنسأل أنفسنا في آخر العطلة الصيفية ماذا كسبنا منها؟ كان هناك مشروع مقترح في أول العطلة، ذكرته في درس من الدروس، هل استثمر؟ وأعرف أن هناك ٨٠% سوف تنتهي العطلة الصيفية ولم ينتج أحدهم لا المشروع هذا ولا غيره.
أهل الدنيا يخططون لدنياهم مشاريع خماسية وثلاثية ورباعية، على انتهاء، لكن أهل المبادئ والرسالة، وأهل المهمات العالية، لماذا لا يفعلون هذا؟ هذا أمر مطروح.