التوحيد أولاً
ماذا يبدأ الله عز وجل به مع موسى؟ هل يذكر له فرعون أولاً؟ لا، لم يأت ذكر فرعون هل يتحدث له عن الرسالة؟ لا.
هل يتحدث له عن إجرام الناس في الدنيا؟ لا.
أولاً: يعرِّف الله نفسه إلى موسى، وهذا التعريف أكبر تعريف عند أهل السنة والجماعة لله الواحد الأحد، يقول الله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:١٤].
ولذلك في سنن الترمذي بسند فيه نظر، يقول عليه الصلاة والسلام: {إذا عرف أحدكم أخاه، فليسأله عن اسمه ونسبه، فإنه واصل المودة} لكن هذا الحديث في سنده رجل مجهول، ولو صح لكان سنداً لما حفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يسأل الناس عن أسمائهم، وهذا في الصحيحين عن ابن عباس: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لوفد عبد القيس: {من الوفد؟}.
قال تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:١٤].
أولاً: ملأ الله قلب موسى بالتوحيد، وأنت إذا أردت الله فاملأ قلبك بالتوحيد، فوالله لا ينفعك عمل، من صلاة، أو صيام، أو حج، أو عمرة، أو تلاوة، أو صدقة حتى توحد الله رب العالمين، فاملأ قلبك بلا إله إلا الله.
الله أكبر كل همٍ ينجلي عن قلب كل مكبرٍ ومهلل
لا إله إلا الله كلمة من أتى بها وصدق فيها وأخلص في فحواها فتحت له أبواب الجنة الثمانية، لا إله إلا الله كلمةٌ من صدق في العمل بها ومقتضاها أنقذه الله، لا إله إلا الله كلمة من ثبته الله عليها، فلا خوف عليه ولا حزن.
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم:٢٤] لا إله إلا الله يغرسها الله في قلب من يشاء، فتنبت الصلاة والزكاة والصيام وحسن الخلق وبر الوالدين وصلة الرحم.
{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:١٤] {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:٦٥].
قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا
قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا
والنحل قل للنحل يا طير البوادي ما الذي بالشهد قد حلاكا
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله من ذا بالسموم حشاكا
واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا
فالحمد لله العظيم لذاته حمداً وليس لواحدٍ إلاكا
{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:١٤] أقرب طريق إلى الله عبادته، ولذلك لـ ابن تيمية كلام معناه: أقرب الطرق إلى الله العبادة.
وفي التاريخ: أن عمر -رضي الله عنه وأرضاه- قال لـ سعد بن أبي وقاص لما أرسله في القادسية أميراً وقائداً للجيش ليدكدك دولة الأصنام، دولة الأكاسرة الظلمة الفجرة، قال له: [[يا سعد بن وهيب! لا يغرنك قول الناس إنك خال رسول الله، فإن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، أقربهم إليه أطوعهم له]] ولذلك ذكر الله الأنبياء بالعبادة، فقال: {وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء:٧٣] {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:٩٠].
سبحان الله! يذكر رسوله بالتشريف فيذكره بالعبادة وأنه عبد مذلل، ولذلك كلما زدت لله عبودية رفعك الله، وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم قال: {إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة} كلما وضعت رأسك في التراب، رفعك الله إليه، وكلما حاول المتكبر أن يرتفع حقره الله وأذله وأخسأه وخذله وحرمه في الدنيا والآخرة.
وفي صحيح مسلم عن ربيعة بن مالك الأسلمي قال: {قلت: يا رسول الله! أريد مرافقتك في الجنة، قال: أعني على نفسك بكثرة السجود} فلا طريق إلى الله إلا العبادة.
فأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا
وناد إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون بن متى
وأكثر قرعه دأباً عساه سيفتح بابه لك إن قرعتا