هنا وليٌ من أولياء الله تأتيه كرامة، مثل أن يرى نوراً في بيته، مثل أن يطوي الله له الأرض، مثل أن يأتي الأسد له فيطأطئ الأسد رأسه له، ويأخذ الأسد ويمسكه، أو يمسك الثعبان فلا يؤذيه الثعبان، وبين مشعوذ يأتي إلينا فيأخذ الثعبان فإذا هو عصا، ويأخذ العصا فإذا هي ثعبان.
أحد الناس قال: رأيت مشعوذاً أخذ فنجاناً فحوله إلى بيضة دجاجة، وأخذ براداً فحوله إلى حمامة، وهذا من المشعوذين، فكيف نفرق بين هذا وبين هذا؟
قال ابن تيمية: نفرق بين الكرامة والشعوذة بفارقين اثنين، وهذا من الفرقان الذي يجعله الله لأهل النور:{نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ}[النور:٣٥].
الفارق الأول: أن الكرامة لا تجري إلا على يد رجل صالح عامل بالكتاب والسنة، فإذا رأيت الرجل الفاجر تجري على يديه خوارق للعادات فالعنه والعن خارقته ولا تقبل منه كلمة، رجل فاجر يصلي بجنابة، رجل يأوي الزبالات، ولذلك كثير من السحرة والكهنة -كما نقل إلينا برجال ثقات- يبيتون في المزابل والرماد والمذابح والحمامات، لأن الجن لا تأتيهم ولا تسخر لهم إلا في هذه الأماكن، ولذلك إذا دخلنا الحمام قلنا: نعوذ بالله من الخبث والخبائث، فهؤلاء إذا أتى علي أيديهم شيء فنكفر بهم ونكفر بما أتى على أيديهم.
ليست كرامة، بل هي ندامة، ولعنة، وخزي، ودمار، وعار في الدنيا والآخرة، ومن أتاهم وصدقهم فعليه لعنة الله، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً، ولا يزكيه ولا ينظر إليه، وله عذاب أليم، وقد كفر بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام.
فالضابط أن الكرامة لا تأتي إلا على يد رجل صالح، عامل بالكتاب والسنة، صاحب سنة واستقامة، يعتقد اعتقاد السلف الصالح، فهذه كرامة أتت علي يده، وإذا أتت على يد النجس الآخر القذر المشعوذ الكاهن، فهي خيبة وندامة ولعنة وابتلاء من الله.
الفارق الثاني: ألا يستخدم الكرامة إلا فيما يرضي الله وينصر بها دين الله، مثلما فعل الصالحون، فالصحابة أكرمهم الله بكرامات فكانت في سبيل الله، مثل الطفيل بن عمرو الدوسي أكرمه الله بنور جعله في جبينه، فسأل الله أن يحوله في عصاه، فكان إكرامه بجعل النور في العصا آية في الدعوة.