[شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ومساهمته في تزويج الشباب]
الناس لا يشبعهم الكلام، ولا يحل أزماتهم المحاضرات والأشرطة، الحل نرثه من محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان صلى الله عليه وسلم يزوج، كان يرسل الشاب، ويرسل ويشفع بنفسه، عليه الصلاة والسلام.
مرَّ به جليبيب؛ أحد الفقراء المساكين، لا أهل ولا مال، وإنما عنده ثيابٌ ممزقة من الصحابة، لكن يكفيه أنه من مدرسة محمد عليه الصلاة والسلام، قال له صلى الله عليه وسلم: {يا جليبيب ألا تتزوج؟ قال: يا رسول الله من يزوجني؟ لا أهل، ولا مال، ولا نسب} ومرةً ثانية كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفكر في البيوت ليزوجه؛ لأنه من مسئولية الدعاة أن يزوجوا الشباب، ومسئولية الدعاة أن يزوجوا الفتيات، وأن يعيشوا هموم الأمة، وليس مسئولية القاضي أن يداوم ثم ينتهي، أو مسئولية العالم أن يفتي فقط، أو مسئولية المصلح أن يتكلم فحسب، بل يعيش الهموم، ويقدم أفعالاً، وأطروحات، هذا هو الصحيح، والناس لا يحبون إلا الذي يعيش مع مشاكلهم، ويعيش معهم ويزورهم، ويقوم باهتماماتهم.
فقال صلى الله عليه وسلم مرةً ثانية: {ألا تتزوج يا جليبيب؟ قال: يا رسول الله من يزوجني؟ لا أهل، ولا مال، ولا نسب.
قال: اذهب إلى آل فلان وأبلغهم سلامي، وقل لهم: رسول الله، يأمركم أن تزوجوني}.
أسمعتم شفاعة في الدهر وفي التاريخ أعظم من هذه الشفاعة، والله الذي لا إله إلا هو، لو كان حياً ونحن على إيماننا هذا، ثم طلب منا أن نقطع رءوسنا لقطعت، الواحد يقدم يده، وتقطع في المعركة، ويقدم رأسه، ويقدم دمه.
إن كان سركمُ ما قال حاسدنا فما لجرحٍ إذا أرضاكمُ ألمُ
والله الذي لا إله إلا هو، إنني أودُّ أن أقول عن نفسي وإخواني الصلحاء من أمثالكم: أننا نُسَبُّ في أعراضنا، ولا يسبُ في عرضه، وينال منا نحن ولا يُنال منه، ونجازى ولا يُجازى، وتبقى له القداسة، ونحن له الفداء، يقول حسان:
أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء
هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاءُ
ثم يقول:
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمدٍ منكم وقاء
فيقول له صلى الله عليه وسلم: {إن الله يشكر بيتك يا حسان}.
ذهب جليبيب فطرق الباب، فقالوا: من؟ قال: جليبيب، ماذا تريد؟ قال: الرسول صلى الله عليه وسلم يقرئكم السلام، قالوا: عليه صلاة الله وسلامه، قال: ويقول زوجوني ابنتكم، وارتبك الوالد والوالدة، قالوا: جليبيب نزوجك بنتنا لا أهل، ولا مال، ولا نسب!! وسكتَ ولم يردَّ، انتظر لا يستطيعا أن يقولا: لا.
للمعصوم عليه الصلاة والسلام، فوقف عند الباب، وسمعت الفتاة المحجبة الدينة المؤمنة من خدرها، ووالله ليست رغبة في جليبيب، لكن لإجابة المعصوم، قالت: الرسول صلى الله عليه وسلم يأمركما وترفضان، سبحان الله! ألا تخافان من غضب الله، أنا أجيب، قالوا: فقد أجبنا.
وتزوج جليبيب، ورزقه الله فتية، ثم حضر المعركة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وقتل سبعة ثم قتلوه، فقال صلى الله عليه وسلم: {من تفقدون؟ قالوا: نفقد فلاناً وما ذكروا جليبيباً ثم أعاد السؤال فأعادوا الجواب فقال: هل بقي أحد؟ قالوا: لا، قال: لكني أفقد جليبيباً وقام عليه الصلاة والسلام، وبحث عنه، ووجده قد قتل سبعة وقد وضع وجهه في التراب، فقلبه صلى الله عليه وسلم وقبله، وهو قتيل شهيد، وقال: قتلت سبعة ثم قتلوك! أنا منك وأنت مني} هذا النسب الخالد.