نحن عندنا خير والحمد لله لكن الالتزام أحياناً قد يكون ظاهراً في تربية اللحى وتقصير الثياب، وفي السواك، وبعض السنن، وهذا شيء جميل ويا مرحباً به، لكن -يا أيها الإخوة- أعمال القلوب مهملة كالخوف والرهبة والرجاء والخشية والخشوع والتأمل، قد تفاجأ حين تجد شاباً ملتزماً في الظاهر، مطيلٌ لحيته مقصر ثوبه لكن فيه عجب، وتفاجأ بشاب آخر متكبر، ولذلك يشكو إلينا بعض الشباب يقولون: فلان من أكبر الناس وجربناه حتى إذا جلس معك في المجلس كأنه يتصور أنه مالك بن أنس حتى يقول: لا يا شيخ! أنا طالعت هذه المسألة والذي ظهر لي والله أعلم أن رأي أهل العلم خطأ فيها، قال: وقد قرأت بنفسي وعقبت وعندي بحثٌ قد حققته في تلك المسألة، ولذلك تجده يقول:(قلت، وأنا، وعندي، ولي) وهذا من العجب.
وقد رأيت رسالة موجودة في الأسواق في بعض تصحيحات الحديث لشباب نعرفهم يقول في أولها: وقد استدركت على الشيخ الألباني هذه المسألة وخطأته من ثلاثة أوجه، قال وَهِمَ ابن حجر وقد وقع لي أن سبب وهم الحافظ كذا وكذا! من أنت؟! يقولون: وقعت البعوضة على النخلة، ثم أرادت أن تطير فقالت للنخلة: تماسكي أنا أريد أن أطير قالت: والله ما أحسست بكِ حين وقعتي فكيف أحس بكِ إذا طرتي؟ أناس يفنون أعمارهم مثل الألباني وابن حجر في علم الحديث، ويأتي شاب في يوم واحد ويدرك خطأً، فيبقى في المجالس يقول: الشيخ الألباني أخطأ في الحديث ونبهت عليه، وقد كتبت في ذلك بحثاً، وكلما جلس بعض الشباب وهو يعرف شهر بن حوشب، أنه راوية ضعيف، فكلما جلس يقول: أيها الإخوة! ما رأيكم في شهر بن حوشب ثقه أم ضعيف؟ قالوا: لا ندري، قال: لا.
قال فيه ابن حجر كذا وقال ابن حبان: فيه كذا، فينتقل إلى المجلس الثاني، يسرح لحيته ويقول: ما رأي الإخوة في شهر بن حوشب، فيسمونه شهر بن حوشب، مثل حماد الراوية أديب في عهد هارون الرشيد، قالوا: كان لا يعرف إلا داحس والغبراء، يتفاوض أهل العلم والفتيا في المجلس، فيأتي هو ويقول: ما رأيكم في داحس والغبراء؟! من الذي يجيد خبر داحس والغبراء؟! فسموه داحس والغبراء، وقال هارون الرشيد: أما حماد الراوية فإذا خرجتم به من داحس والغبراء فلا يعرف شيئاً، وهذا يسمى التقوقع على مسائل محددة.
وقد مرت بنا فترة كان فيها كثير من الشباب لا يعرفون إلا تحريك الإصبع، ولقد جلست مع شاب أكثر من ساعة وهو يسألني في هذا البحث ويتصل وهو حريص على ذلك، وكأنه يسأل عن ركن من أركان الإيمان، أو معتقد يدخل به الجنة أو النار وأنا لا أهوِّن من شأن هذه المسألة، لكن نعطيها حجمها، كما أعطاها الرسول صلى الله عليه وسلم من وقته حديثين حديث ابن الزبير وحديث وائل بن حجر ومع ذلك يقول: ما أدري يا أخي هل أحركها في التشهد أو في الدعاء؟ قلت: الذي يظهر في التشهد، قال: في نفسي شيء، ولو حركتها في التشهد ولم أحركها في الدعاء ما أخذت بعموم الحديث؟ ثم يستحدث لك مسائل، ويخرج ويدخل ويجعلها مثار بحث في المجلس، وهذا خطأ.
والذي يظهر الآن من علم الشباب أنهم يبدءون بالطهارة إلى باب الحج فقط، ومنهم من يبدأ بالطهارة إلى نواقض الوضوء، الآن ثلاثة أرباع أبواب الفقه لا يعتني بها، اسأله مثلاً في المساقاة، اسأله في الإجارة، اسأله في الربا، اسأله في البيع، اسأله في الجنايات، في الحدود، فلن يجيبك بمسألة، وهذا تقصير.
أيها الإخوة: لا بد لمن أراد أن يدرس الفقه أن يكمل هذه الأبواب جميعاً.