[أن يكون يومك خير من أمسك وغدك خير من يومك]
فمن ترقى في العبادة والصدق فهذا علامة الصدق والمخافة, ومن كان أمسه خير من يومه، ويومه خير من غده، فإنما هو يمشي القهقرى وقد دخله كذب في العبادة.
فعلينا أن نصدق مع الله عز وجل في المخافة, والذي أدل نفسي وإياكم عليه كما أسلفت آنفاً: قراءة السير، وسماع أخبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإنهم خير جيل أخرج للناس إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, ربَّاهم صلى الله عليه وسلم على سمع وبصر, وعلمهم وقادهم وفقههم فكانوا أخوف, وأعلم الناس بربهم تبارك وتعالى.
والخوف -بارك الله فيكم- كما سلف يستفاد في أمور, يقول ابن تيمية: حد الخوف -أي: تعريف الخوف أو المطلوب في الإسلام من الخوف- ما حجزك عن المعاصي فما زاد فلا يحتاج إليه.
وقال أهل العلم غير ابن تيمية: الخوف من الله عز وجل: أن إذا جلست وحدك تصورت كأن الله بارز للناس على عرشه.
وقال أحد الصالحين: الخوف كأنك تتلظى في نار جهنم، وكأنك أفلست حتى من لا إله إلا الله.
وقال غيره: الخوف أن تأتي بأعمالك وأنت قد خجلت من الله عز وجل كأنها ردت عليك جميعاً, لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:٢٧].
قال ابن عمر: [[وددت -والله- أن الله تقبل مني مثقال ذرة, قالوا: لماذا؟ قال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:٢٧] , قالوا: أتخشى وأنت تعمل الصالحات؟ قال: والله ما أخاف من الصالحات ولكن أخاف أن أعمل صالحاً، فيقول الله: وعزتي وجلالي لا أقبلها منك]].
ولذلك يقول الله عز من قائل في سورة الزمر: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧].
كانوا يحتسبون أعمالاً صالحة لكن داخلها الرياء والنفاق والسمعة, فعادت إلى وجوههم وضرب بها وجه صاحبها؛ لأن الله عز وجل لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه وما كان صواباً على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولذلك سجد عمر فسمع وهو يبكي في سجوده، ويقول: [[اللهم اجعلني عبداً لك وحدك]] وهذا من أحسن الكلام! اللهم اجعلني عبداً لك وحدك, فإن بعض الناس يعبد مع الله نفسه, ولذلك يقول أحد أهل العلم وأظنه ابن تيمية: الصوفي يعبد نفسه والمسلم يعبد ربه, بعض الناس ولو بلغ في التصوف والتقشف والزهد مبلغاً لكنه عبد نفسه، كأنه يقول: انظروا إليّ.
! أنا زاهد أنا عابد فعبد نفسه مع الله.
وبعض الناس يعبد الدرهم والدينار والريال فيجعله معبوداً من دون الله تبارك وتعالى فيكون عبداً له.
وبعضهم يعبد الزوجة, أو الوظيفة, أو الشهرة, فنسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن نكون عباداً له وحده, ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في كتاب الجهاد من صحيح البخاري: {تعس عبد الدرهم والدينار، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش} فالعبد كل العبد الذي يكون عبداً لله وحده, في مقاله وحاله وفعاله.
فنسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن نكون عباداً له مخلصين صادقين، وأن يرزقنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مخافته وخشيته, وأن يجعلنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في السراً خير من العلن, وفي الباطن خيراً من الظاهر, وفي الخلاء خيراً من الجلاء, فإنه القدير على ذلك.
اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا, وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا, اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة, ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.