للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الرضا بالقدر]

ومن أسبابها كذلك الرضا بالقضاء والقدر:

ذكر عن ابن قتيبة أنه قال: ما كان يتسلى الجاهليون في جاهليتهم وأهل الشرك في شركهم إلا بالقضاء والقدر، تموت ناقة المشرك فيقول: قضاء وقدر، يموت ابنه فيقول: قضاء وقدر.

قال بعض العلماء: من يؤمن بالقضاء والقدر يتسلى بأجر! وقد قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [الحديد:٢٢ - ٢٣].

وهذا عروة بن الزبير وكان عابداً زاهداً من العلماء والفقهاء السبعة، فقرروا قطع رجله من الفخذ، فقالوا: نسقيك كأساً من الخمر علَّ عقلك أن يذهب، فقال: والله لا أذهب عقلاً منحنيه الله، ولكن إذا توضأت ودخلت في صلاتي وناجيت ربي؛ فاقطعوا رجلي فلما دخل في الصلاة، أخذوا المناشير فبتروا رجله، فإذا هو مغمىً عليه! وبقي يوماً كاملاً، فلما استفاق، قالوا له: أحسن الله عزاءك في رجلك، وأحسن الله عزاءك في ابنك؛ فقد رفسته دابة من دواب الخليفة فمات فرفع طرفه وقال: اللهم لك الحمد! إن كنت أخذت فقد أعطيت، وإن كنت ابتليت فقد عافيت أعطيتني أربعة أبناء وأخذت ابناً واحداً، وأعطيتني أربعة أطراف، وأخذت طرفاً واحداً، فلك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.

يقول وهو يتمثل:

لعمرك ما مديت كفى لريبةٍ وما حملتني نحو فاحشةٍ رجلي

ولا دلني فكري ولا نظري لها ولا قادني سمعي إليها ولا عقلي

وأعلم أني لم تصبني مصيبةٌ من الله إلا قد أصابت فتىً قبلي

ومرض عمران بن حصين أحد الصحابة الأخيار ثلاثين سنة، فما شكى ولا بكى ولا تذمر، حتى كانت الملائكة تصافحه عند السحر بأيمانها وهذا في الإصابة لـ ابن حجر.

ومرض أبو قلابة حتى قطعوا أطرافه الأربعة، أصابه مرض الآكلة في أطرافه -في رجليه ويديه- حتى قطعوها، وكان يتبسم حمداً لله وشكراً!

قال ابن الجوزي في" صفة الصفوة " مروا بمولى أسود وهو مريض، وهو في زقاق من زقاق المدينة المنورة، وهو يتبسم، فقال له الناس: نمر عليك وأنت تذكر الله وتتبسم وأنت في مرض وفي حالة لا يعلمها إلا الله، فقال: أنا في سعادة، وكلما أصابني قليل بجانب الإيمان الذي أعطانيه الله عز وجل والعمل الصالح.

وذكروا عن أيوب عليه السلام أنه لما ابتلي بالمرض في جسمه قال: اللهم أبق علي قلبي ولساني، قلبي أشكرك به، ولساني أذكرك به فكل شيءٍ دخل فيه المرض إلا لسانه وقلبه، فما كان لسانه يفتر من ذكر الله، وما كان قلبه يفتر من شكر الله.

الرضا بالقضاء والقدر، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن:١١].

قال ابن عباس رضي الله عنه: [[هو العبد تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم؛ فيهدي الله قلبه]].

<<  <  ج:
ص:  >  >>