أول أمر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الأمر بالتفكر
أمَّا بَعْد:
أيها الناس! كانت أول كلمة أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هي قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:١].
والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف يقرأ الأمي الذي لم يكتب ولم يقرأ؟ ولم يتعلم ولم يخط بيمينه خطاً، وأصبح في الأربعين من عمره ثم تأتيه كلمة اقرأ؟! فكأن الله يقول له: اقرأ في كتاب الكون المفتوح، وفي آيات الله المعروضة، والشمس الساطعة، والنجوم اللامعة، في الجدول والغدير، وفي الماء النمير، وفي الشجيرات، والحيوانات، اقرأ في كل آية تمر بك في المخلوقات.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
فقرأ صلى الله عليه وسلم في آيات الله، فكان يخرج فيتفكر، ويتأمل، ويبكي صلى الله عليه وسلم من آيات الله، والله يقول: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس:١٠١]
ترون العجائب، ترون أدلة التوحيد القاطعة، ترون كل شيء يتحدث عن عظمة الله، الزهرة تحدثكم عن الله، الطائر بجناحيه في الفضاء يحدثكم عن الله، والشجرة في الغابة تحدثكم عن الله: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [يونس:١٠١] ويقول تبارك وتعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُ} [فصلت:٥٣] يريهم كل آية ليعرفوا أن لا إله إلا الله، ويعرض أمامهم كل مخلوق؛ ليعلموا أن لا إله إلا الله، ويخلق من الآيات البينات على مر السنين؛ ليعلموا أن لا إله إلا الله، يقول جل وعز: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:١٧ - ٢٠].
أفلا ينظر أهل الصحراء إلى الإبل وهم يحملون عليها، من خلقها وأبدعها؟ من سواها وزينها؟ من أحياها متحركة على أربع؟
ثم ألا ينظرون إلى السماء، وهم عاشوا مع السماء، وعاشت السماء معهم، والسماء في الصحراء لها طعم ومذاق، فكأنه لا سماء إلا في الصحراء، السماء حين تخلو بها في ليلة من ليالي القمر؛ ترى فيها آيات الله الواضحات، أليس هذا دليلاً على قدرة القدير؟
قيل لأعرابي من البادية: [[أعرفت الله؟ قال: إي والله، قالوا: فبماذا عرفته؟ قال: عجباً لكم! الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، وأرض ذات فجاج، وليل داج، ألا تدلان على السميع البصير]] سُبحَانَهُ وَتَعَالَىَ كل آية تدلل على أنه موجود.
قيل للإمام الشافعي: اعرض لنا من آيات الله - وكان بجانبه صنوبر- فأخذ ورقة منها، وقال: [[هذه الورقة تأكلها النحلة فتخرج عسلاً، وتأكلها دودة القز فتخرج حريراً، وتأكلها الغزال، فتخرج مسكاً، أما تدل على الله الذي بيده كل شيء]].
يقول الأمريكي " كريسي موريسون " في كتابه" الإنسان لا يقوم وحده -والحق ما شهدت به الأعداء- يقول: يا للعجب! النحلة تهاجر تطلب رزقها من وراء آلاف الأميال، فإذا امتصت رحيق الأزهار عادت مهاجرةً مرةً ثانيةً إلى خليتها دون أن تضيع ولا تضل، ربما يكون لها ذبذبات توحي إليها بخبرها، ثم يقول: لست أدري.
فإذا لم يدر هو، فنحن ندري والحمد لله؛ لأن الله يقول: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:٦٨ - ٦٩] أفلا يكفي دليل النحلة على وجود الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟!
قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا
قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهداً، وقل للشهد: من حلاكا
وإذا ترى الثعبان ينفث سُمَّهُ فاسأله من ذا بالسموم حشاكا
واسأله كيف تعيشُ يا ثعبانُ أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا
فالحمد لله الجليل لذاته حمداً وليس لواحدٍ إلاكا