للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مواقف أسد الله حمزة]

دلعت نيران المعركة واشتد القتال بين الفريقين في كل نقطة من نقاط الميدان وكان ثقل المعركة يدور حول لواء المشركين، فقد تعاقب بنو عبد الدار لحمل اللواء، فأما قائدهم الأول طلحة بن أبي طلحة فقد قتله الزبير بن العوام، فحمل اللواء بعده أخوه أبو شيبة عثمان بن أبي طلحة وتقدم للقتال وهو يقول:

إن على أهل اللواء حقا أن تخضب الصعدة أو تندقا

فحمل عليه حمزة بن عبد المطلب، فضرب عاتقه ضربة بترت يده مع كتفه وصلت إلى سرته فبانت رئته.

قال أحد الأنصار: رأيت حمزة يوم أحد يمور في الناس كالأسد، والله لقد رأيت المشركين يفرون من بين يديه كالمعز.

وكان حمزة قد قتل يوم بدر عتبة بن ربيعة وبعض أقاربه، فجاءت هند امرأة أبي سفيان إلى وحشي وقالت: أعتقك وأسلم لك ما عندي من مال إذا قتلت حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسد الله في أرضه، سيد الشهداء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

فأخذ وحشي حربته وكان رجلاً حبشياً يجيد رمي الحراب، فلم يشارك في المعركة، وتخبأ في شجرة في أرض المعركة، وأقبل حمزة يمور في الكتائب ويضرب بسيف الله عز وجل.

يقول وحشي: فخرجت مع الناس، وكنت رجلاً حبشياً أقذف بالجربة قذف الحبشة قلما أخطئى بها شيئاً، فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق يهد الناس هداً ما يقوم له شيء، فوالله إني لأتهيأ له أريده، فأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني، إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى، فلما رآه حمزة قال له: هلم إليَّ يا ابن مقطعة البظور -وكانت أمه ختانة- قال: فضربه ضربة كأنما أخطأ رأسه.

ثم أرسل ووحشي عليه الحربة، فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه، فأقبل على رجليه إلى خلف الشجرة يريد قتل وحشي، فضرب الشجرة بضربة من ضربات الحق والخير، لكن الموت سابقه، فوقع شهيداً على الأرض.

وأتى صلى الله عليه وسلم يدور في القتلى، فوجد حمزة قتيلاً، فتأثر عليه الصلاة والسلام كل التأثر، وأصابته لوعة وحسرة ما بعدها حسرة، حتى يقول: {والذي نفسي بيده، ما وقفت موقفاً أغيظ لي من هذا الموقف، والذي نفسي بيده إن ظفرت منهم لأمثلن منهم بسبعين} لأن حمزة رضي الله عنه قطعت أذناه وأنفه، لكن يلقى الله وهو سليم معافى، ويدخل الجنة كما قيل: ابن ثلاثٍ وثلاثين سنة، وهم جرد مرد حسان الوجوه.

فوقف عليه الصلاة والسلام ورأى بطنه قد بقرت، وأخذ من كبده الشريفة، فلاكتها هند، ولكن لم تمضغها فألقتها، حتى لما سمع عليه الصلاة والسلام قال: {ما كان لشيء من حمزة أن يدخل النار} ثم دمعت عينه صلى الله عليه وسلم وقال: {والذي نفسي بيده لولا أن تجزع صفية -يعني صفية بنت عبد المطلب أخت حمزة - لتركته حتى يكون في حواصل الطير وبطون السباع}.

<<  <  ج:
ص:  >  >>