للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[النظر في الدنيا إلى من هو أدنى]

ومن أسبابها: النظر إلى من هو دونه في الحظوظ الدنيوية؛ لأن الحياة قليلة وزهيدة.

قالوا: " الحياة قصيرة، فلا تقصرها بالهموم والغموم ".

قال: هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي، لأحد أصحابه: ما رأيك نعد الأيام التي سعدنا فيها، ولم يأتنا أمر مكدر فعد الأيام -وكان عمره ما يقارب ستين سنة- فما وجد فيها إلا ثلاثة عشر يوماً ذكر ذلك الذهبي، قالوا: عدوا أيامه في حياته التي سلم فيها من الهم والغم والكدر؛ فما وجدوها إلا ثلاثة عشر يوماً، وأما البقية فكانت هماً وغماً وكدراً فالحياة قصيرة، فلا تقصرها بالهم والغم والكدر.

فمن أسباب السعادة النظر إلى من هو دونك في الحظوظ الدنيوية فلا في الحظوظ الدينية، لا تنظر إلى من هو دونك في الدين والاستقامة، وقيام الليل، وتلاوة القرآن، والعلم، والتحصيل، والذكر، والصيام، بل ينبغي أن تنظر إلى من هو فوقك؛ لكن انظر إلى من هو دونك في الرزق والمال والصحة والسكن والمعيشة، لترى نعمة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليك ولا تزدريها.

يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} [الإسراء:٢٠ - ٢١].

وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:١٥ - ١٦].

وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:٣٣ - ٣٥].

<<  <  ج:
ص:  >  >>